للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكُتِبَ أَيُّهَ فِي الْمُصْحَفِ بِهَاءٍ لَيْسَ بَعْدَهَا أَلْفٌ وَهُوَ رَسْمٌ مُرَاعَى فِيهِ حَالَ النُّطْقِ بِالْكَلِمَةِ فِي الْوَصْلِ إِذْ لَا يُوقَفُ عَلَى مِثْلِهِ، فَقَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِفَتْحَةٍ عَلَى الْهَاءِ دُونَ أَلِفٍ فِي حَالَتَيِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَقَرَأَهَا أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ فِي الْوَقْفِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْهَاءِ تَبَعًا لِضَمِّ الْيَاءِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهَذَا من الإتباع.

[٣٢]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٣٢]

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢)

تَكْرِيرٌ لِنَظَائِرِهِ وَلَيْسَ هُوَ خِطَابًا لِلثَّقَلَيْنِ وَلَا تَذْيِيلًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبِلَهُ إِذْ لَيْسَ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ ذِكْرُ نِعْمَةٍ عَلَى الثَّقَلَيْنِ بَلْ هِيَ تهديد لَهما.

[٣٣]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٣٣]

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣)

هَذَا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، وَلَيْسَ خِطَابًا

لِلْإِنْسِ وَالْجِنَّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَالتَّقْدِيرُ: فَنَقُولُ لَكُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ [الْأَنْعَام: ١٢٨] الْآيَةِ، أَيْ فَنَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ، وَتقدم فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَالْمَعْشَرُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُعَدُّ عَشَرَةً عَشَرَةً دُونَ آحَادٍ.

وَهَذَا إِعْلَانٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجِدُونَ مَنْجَى مِنْهَا، وَهُوَ تَرْوِيعٌ لِلضَّالِّينَ وَالْمُضِلِّينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ بِمَا يَتَرَقَّبُهُمْ من الْجَزَاء السيّء لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ لِجَمْعٍ مُخْتَلِطٍ إِلَّا وَالْمَقْصُودُ أَهْلُ الْجِنَايَةِ مِنْهُمْ فَقَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَامٌ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ [الرَّحْمَن: ٣٥] إِلَخْ.

وَالنُّفُوذُ وَالنَّفَاذُ: جَوَازُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَخُرُوجُهُ مِنْهُ. وَالشَّرْطُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِ: فَانْفُذُوا، أَيْ وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ الْهُرُوبَ.