للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَدَوَالَيْكَ، كَقَوْلِ الْقَوَّالِ (١) الطَّائِيِّ مِنْ شِعْرِ الْحَمَاسَةِ:

فَقُولَا لِهَذَا الْمَرْءِ ذُو جَاءَ سَاعِيًا ... هَلُمَّ فَإِنَّ الْمَشْرَفِيَّ الْفَرَائِضُ

أَيْ فَقُولُوا: يَا قَوْمُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [١٠١] . وَإِيثَارُ صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ هُنَا لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ فَقَدْ بُنِيَتْ قَرَائِنُ السُّورَةِ عَلَيْهَا وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْفَرَّاءِ، وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ مَا أُجْرِيَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فِي شَأْنِ الْجَنَّتَيْنِ فَمُرَادٌ بِهِ الْجَمْعُ.

وَقِيلَ: أُرِيدُ جَنَّتَانِ لِكُلِّ مُتَّقٍ تَحُفَّانِ بِقَصْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ جَنَّاتِ الدُّنْيَا جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ [الْكَهْف: ٣٢] الْآيَةَ، وَقَالَ: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مساكنهم آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ [سبأ: ١٥] فَهُمَا جَنَّتَانِ بِاعْتِبَارِ يُمْنَةِ الْقَصْرِ وَيُسْرَتِهِ

وَالْقَصْرُ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا.

وَالْمَقَامُ: أَصْلُهُ مَحَلُّ الْقِيَامِ وَمَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِلْقِيَامِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْحَالَةِ وَالتَّلَبُّسِ كَقَوْلِكَ لِمَنْ تَسْتَجِيرُهُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّأْنِ وَالْعَظْمَةِ، فَإِضَافَةُ مَقامَ إِلَى رَبِّهِ هُنَا إِنْ كَانَتْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَقَامِ لِلْخَائِفِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَالِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى رَبِّهِ تُشْبِهُ إِضَافَةَ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ مَقَامِهِ مِنْ رَبِّهِ، أَيْ بَيْنَ يَدَيْهِ.

وَإِنْ كَانَتْ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَقَامِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْعَظْمَةِ. وَإِضَافَتُهُ كَالْإِضَافَةِ إِلَى الْفَاعِلِ، وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [١٤] وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ [٤٠] .

وَجُمْلَةُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ وَهِيَ تَكْرِيرٌ لِنَظَائِرِهَا.

وَذَوَاتَا: تَثْنِيَةُ ذَاتٍ، وَالْوَاوُ أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ أَصْلَ ذَاتٍ: ذُوَةٌ، وَالْأَلِفُ الَّتِي بَعْدَ


(١) هَكَذَا وَقع اسْمه فِي «ديوَان الحماسة» و «شروحه» وَهُوَ بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الْوَاو كَمَا فِي «خزانَة الْأَدَب» . وَهُوَ من مخضرمي الدولتين.