للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَاصٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْبُرُودَةِ عَنْهُ وَاتْبَعَ بِوَصْفٍ عَامٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ كَرَامَةِ الظِّلَالِ عَنْهُ، فَفِي الصِّفَةِ بِنَفْيِ مَحَاسِنِ الظِّلَالِ تَذْكِيرٌ لِلسَّامِعِينَ بِمَا حُرِمَ مِنْهُ أَصْحَابُ الشِّمَالِ عَسَى أَنْ يَحْذَرُوا أَسْبَابَ الْوُقُوعِ فِي الْحِرْمَانِ، وَلِإِفَادَةِ هَذَا التَّذْكِيرِ عَدَلَ عَنْ وَصْفِ الظِّلِّ بِالْحَرَارَةِ وَالْمَضَرَّةِ إِلَى وَصْفِهِ بِنَفْيِ الْبَرْدِ وَنفي الْكَرم.

[٤٥- ٤٨]

[سُورَة الْوَاقِعَة (٥٦) : الْآيَات ٤٥ إِلَى ٤٨]

إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)

تَعْلِيلٌ لِمَا يَلْقَاهُ أَصْحَابُ الشَّمَالِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا التَّعْلِيلُ كَانَ مِنْ أَحْوَالِ كُفْرِهِمْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَهُ أَثَرٌ فِي إِلْحَاقِ الْعَذَابِ بِهِمْ بِقَرِينَةِ عَطْفِ وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ ... وَكانُوا يَقُولُونَ إِلَخْ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا إِصْرَارُهُمْ عَلَى الْحِنْثِ وَإِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ فَلَا يَخْفَى تَسَبُّبُهُ فِي الْعَذَابِ لِأَنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْلِعُوا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ فَإِنَّ التَّرَفَ فِي الْعَيْشِ لَيْسَ جَرِيمَةً فِي ذَاتِهِ وَكَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ عَاشَ فِي تَرَفٍ، وَلَيْسَ كُلُّ كَافِرٍ مُتْرَفًا فِي عَيْشِهِ، فَلَا يَكُونُ التَّرَفُ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا فِي تَسَبُّبِ الْجَزَاءِ الَّذِي عُومِلُوا بِهِ.

فَتَأْوِيلُ هَذَا التَّعْلِيلِ: إِمَّا بِأَنْ يَكُونُ الْإِتْرَافُ سَبَبًا بِاعْتِبَارِ ضَمِيمَةِ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ إِلَيْهِ بِأَنْ كَانَ إِصْرَارُهُمْ عَلَى الْحِنْثِ وَتَكْذِيبُهُمْ بِالْبَعْثِ جريمتين عظمتين لِأَنَّهُمَا مَحْفُوفَتَانِ بِكُفْرِ نِعْمَةِ التَّرَفِ الَّتِي خَوَّلَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الْوَاقِعَة: ٨٢] فَيَكُونُ الْإِتْرَافُ جُزْءَ سَبَبٍ وَلَيْسَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا، وَفِي هَذَا مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: ١١] .

وَإِمَّا بِأَن يُرَاد أَنْ التَّرَفَ فِي الْعَيْشِ عَلَّقَ قُلُوبَهُمْ بِالدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا فَكَانَ ذَلِكَ مُمْلِيًا عَلَى خَوَاطِرِهِمْ إِنْكَارَ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ التَّرَفَ الَّذِي هَذَا الْإِنْكَارُ عَارِضٌ لَهُ وَشَدِيدُ الْمُلَازمَة لَهُ، فوزانه وزان قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [مُحَمَّد: ١٢] .