للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذَّوَاتُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا تَصِيرُ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجَازِيهَا عَلَى أَعْمَالِهَا.

وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فَمَفَادُهُ مَفَادُ اسْمِهِ (الْمُهَيْمِنُ) .

وَتَعْرِيفُ الْجَمْعِ فِي الْأُمُورُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ لَا لِلْقَصْرِ إِذْ لَا مُقْتَضَى لِلْقَصْرِ الْحَقِيقِيِّ وَلَا دَاعِيَ لِلْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ إِذْ لَا يُوجَدُ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُثْبِتُ الْبَعْثَ وَلَا مَنْ زَعَمُوا أَنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ فِي تَصَرُّفِ غَيْرِ اللَّهِ.

وَالرُّجُوعُ: مُسْتَعَارٌ لِلْكَوْنِ فِي مَكَانٍ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ دُونَ سَبْقِ مُغَادَرَةٍ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ.

وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ الْأُمُورُ، لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ كَالْمَثَلِ صَالِحَةً لِلتَّسْيِيرِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ تُرْجَعُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى مَعْنَى يُرْجِعُهَا مُرْجِعٌ وَهُوَ اللَّهُ قَسْرًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ تُرْجَعُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ تَرْجِعُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهَا لِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لِذَلِكَ فِي آجالها.

[٦]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٦]

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦)

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ.

مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَنَّ تَقْدِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَعَاقُبَهُمَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُشَاهَدَةِ فِي أَحْوَالِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُلَابَسَاتِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْحَدِيد: ٥] وَهُوَ أَيْضًا مُنَاسِبٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [الْحَدِيد: ٥] تَذْكِيرٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي سَبَبِ الْفَنَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ هُمَا اللَّذَانِ يُفْنِيَانِ النَّاسَ، قَالَ الْأَعْشَى:

أَلَمْ تَرَوْا إِرَمًا وَعَادًا ... أَفْنَاهُمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ