للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَاوَى الْحَقِيقَةَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَعَائِدُ الْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ، وَالتَّقْدِيرُ: بِمَا آتَاكُمُوهُ، وَفِيهِ إِدْمَاجُ الْمِنَّةِ مَعَ الْمَوْعِظَةِ تَذْكِيرًا بِأَنَّ الْخَيْرَاتِ مِنْ فضل الله. وقرأه أَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ (أَتَى) ، إِذَا حَصَلَ، فَعَائِدُ الْمَوْصُولِ هُوَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ الْمَرْفُوعُ بِ (أَتَى) ، وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُقَابَلَةُ آتاكُمْ بِ (فَاتَكُمْ) وَهُوَ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ فَفِي كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْن محسّن.

[٢٤]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٢٤]

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي قَبْلَهُ خُتِمَ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [الْحَدِيد: ٢٣] فَيَكُونُ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

وَالتَّقْدِيرُ: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ وَحَامِدٌ لِلْمُنْفِقِينَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخَلُّصِ فَيَكُونُ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بَدَلًا مِنْ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ، أَوْ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ ضَمِيرُ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.

تَقْدِيرُهُ: هُمُ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ فَهُوَ مِنْ حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلِاسْتِعْمَالِ كَمَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ، وَفِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ لَا نُطَوِّلُ بِهَا.

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ: الْمُنَافِقُونَ، وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّلَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَأَمْرُهُمُ النَّاسَ بِالْبُخْلِ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المُنَافِقُونَ: ٧] ، أَيْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

وَجُمْلَةُ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ تَذْيِيلٌ لِأَنَّ مَنْ يَتَوَلَّ يَعُمُّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَغَيْرَهُمْ فَإِنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ أَيْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ قَدْ تَوَلَّوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ عَامَّةٌ.