للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ تُشْبِهُ قِصَّةَ خَوْلَةَ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ ظِهَارًا مُوقِنًا بِرَمَضَانَ، ثُمَّ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ فَوَطِئَهَا وَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخَرِ الْقِصَّةِ، إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

وَإِنَّمَا نَسَبُ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى النَّقَّاشِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قِصَّةِ سَلَمَةَ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِغَيْرِهِ. وَأَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَاطٌ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَصَرِيحُ الْآيَةِ أَنَّ السَّائِلَةَ امْرَأَةٌ وَالَّذِي فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ.

وقَدْ أَصْلُهُ حَرْفُ تَحْقِيقٍ لِلْخَبَرِ، فَهُوَ مِنْ حُرُوفِ تَوْكِيدِ الْخَبَرِ وَلَكِنَّ الْخِطَابَ هُنَا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يُخَامِرُهُ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا قَالَتْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي جَادَلَتْ فِي زَوْجِهَا.

فَتَعَيَّنَ أَنَّ حَرْفَ قَدْ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوَقُّعِ، أَيِ الْإِشْعَارِ بِحُصُولِ مَا يَتَوَقَّعُهُ السَّامِعُ.

قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : لِأَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُجَادِلَةَ كَانَا يَتَوَقَّعَانِ أَنْ يَسْمَعَ اللَّهُ لِمُجَادَلَتِهَا وَشَكْوَاهَا وَيُنْزِلَ فِي ذَلِكَ مَا يُفَرِّجُ عَنْهَا اهـ.

وَمَعْنَى التَّوَقُّعُ الَّذِي يُؤْذِنُ بِهِ حَرْفُ قَدْ فِي مِثْلِ هَذَا يُؤَوَّلُ إِلَى تَنْزِيلِ الَّذِي يَتَوَقَّعُ حُصُولَ أَمْرٍ لِشِدَّةِ اسْتِشْرَافِهِ لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُتَرَدِّدِ الطَّالِبِ فَتَحْقِيقُ الْخَبَرِ مِنْ تَخْرِيجِ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِنُكْتَةٍ كَمَا قَالُوا فِي تَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٧] إِنَّهُ جُعِلَ غَيْرُ السَّائِلِ كَالسَّائِلِ حَيْثُ قُدِّمَ إِلَيْهِ مَا يُلَوِّحُ إِلَيْهِ بِالْخَبَرِ فَيَسْتَشْرِفُ لَهُ اسْتِشْرَافَ الطَّالِبِ الْمُتَرَدِّدِ. وَلِهَذَا جَزَمَ الرَّضِيُّ فِي «شَرْحِ الْكَافِيَةِ» بِأَنَّ قَدْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّحْقِيقِ. ثُمَّ يُضَافُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَعَانٍ أُخْرَى.

وَالسَّمَاعُ فِي قَوْلِهِ: سَمِعَ مَعْنَاهُ الِاسْتِجَابَةُ لِلْمَطْلُوبِ وَقَبُولَهُ بِقَرِينَةِ دُخُولِ قَدْ التَّوَقُّعِيَّةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُتَوَقَّعَ هُوَ اسْتِجَابَةُ شَكْوَاهَا.

وَقَدِ اسْتُحْضِرَتِ الْمَرْأَةُ بِعُنْوَانِ الصِّلَةِ تَنْوِيهًا بِمُجَادَلَتِهَا وَشَكْوَاهَا لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى تَوَكُّلِهَا الصَّادِقِ عَلَى رَحْمَةِ رَبِّهَا بِهَا وَبِأَبْنَائِهَا وَبِزَوْجِهَا.

وَالْمُجَادَلَةُ: الِاحْتِجَاجُ وَالْاسْتِدْلَالُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ