للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَى الْمَسْجِدِ بِبِسَاطِهِ أَوْ طَنْفَسَتِهِ أَوْ سَجَّادَتِهِ لِتُبْسَطَ لَهُ فِي مَكَانٍ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَأْتِيَ فَيَجْلِسَ عَلَيْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ حَوْزٌ لِذَلِكَ الْمَكَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُرْسِلُ غُلَامَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْلِسُ لَهُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ ابْنُ سِيرِينَ قَامَ الْغُلَامُ لَهُ مِنْهُ.

وَفِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَرَى طَنْفَسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطَّنْفَسَةَ كُلَّهَا ظَلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ. فَالطَّنْفَسَةُ وَنَحْوُهَا حَوْزُ الْمَكَانِ لِصَاحِبِ الْبِسَاطِ.

فَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا يُبَكِّرُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَأْخُذُ مَكَانًا يَقْعُدُ فِيهِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِي أَرْسَلَ تَرَكَ لَهُ الْبُقْعَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ النِّيَابَةِ فِي حَوْزِ الْحَقِّ.

وَقَرَأَ نَافِعٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ انْشُزُوا فَانْشُزُوا بِضَمِّ الشِّينِ فِيهِمَا.

وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الشِّينِ. وَهَمَا لُغَتَانِ فِي مُضَارِعِ نَشَزَ.

وَقَوْلُهُ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ جَوَاب الْأَمر فِي قَوْله: فَانْشُزُوا فَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى جَزْمِ فِعْلِ يَرْفَعِ فَهُوَ جَوَابُ الْأَمْرِ بِهَذَا. وَعَدَ

بِالْجَزَاءِ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا فِيهِ أَمْرٌ أَوْ لِمَا يَقْتَضِي الْأَمْرُ مِنْ عِلَّةٍ يُقَاسُ بِهَا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ أَمْثَالُهُ مِمَّا فِيهِ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَافْسَحُوا.

وَلَمَّا كَانَ النُّشُوزُ ارْتِفَاعًا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ كَانَ جَزَاؤُهُ مِنْ جِنْسِهِ.

وَتَنْكِيرُ دَرَجاتٍ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنْوَاعِهَا مِنْ دَرَجَاتِ الدُّنْيَا وَدَرَجَاتِ الْآخِرَةِ.

وَضَمِيرُ مِنْكُمْ خِطَابٌ لِلَّذِينَ نُودُوا بِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

وَ (مِنْ) تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ يَرْفَعِ اللَّهُ دَرَجَاتِ الَّذِينَ امْتَثَلُوا. وَقَرِينَةُ هَذَا التَّقْدِيرِ هِيَ جَعْلُ الْفِعْلِ جَزَاءً لِلْأَمْرِ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مُسَبَّبٌ عَمَّا رُتِّبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مِنْكُمْ صِفَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا. أَيِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّغَايُرُ بَيْنَ مَعْنَى الْوَصْفِ وَمَعْنَى الْمَوْصُوفِ بِتَغَايُرِ الْمُقَدَّرِ وَإِنْ كَانَ لفظ الْوَصْف وَلَفظ الْمَوْصُوف مُتَرَادِفَيْنِ فِي الظَّاهِرِ. فَآلَ الْكَلَامُ إِلَى تَقْدِيرِ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلْأَمْرِ بِالنُّشُوزِ إِذَا كَانُوا