للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ مُهَيَّأً لِأَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَى الْمَدِينَةِ قُبَيْلَ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ، فَكَانُوا يَفْخَرُونَ

عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوَفْرَةِ الْأَمْوَالِ وَكَثْرَةِ الْعَشَائِرِ وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ «لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» يُرِيدُ بِالْأَعَزِّ فَرِيقَهُ وَبِالْأَذَلِّ فَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ فَآذَنَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ مِمَّا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَذَلَّةِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الْأَحْزَاب: ٦٠، ٦١] . وَإِذَا لَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَجْدَرُ بِأَنْ لَا تُغْنِيَ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ شَيْئًا، أَيْ شَيْئًا قَلِيلًا مِنَ الْإِغْنَاءِ.

وَعَنْ مُقَاتِلٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُنْصَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَقَدْ شقينا إِذن. فو الله لَنُنْصَرَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْفُسِنَا وَأَوْلَادِنَا وَأَمْوَالِنَا إِنْ كَانَتْ قِيَامَةٌ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.

وَإِقْحَامُ حَرْفِ النَّفْيِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَنْفِيِّ لِتَوْكِيدِ انْتِفَاءِ الْإِغْنَاءِ.

وَمَعْنَى مِنَ اللَّهِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ أَوْ مِنْ عَذَابِهِ. وَحَذْفُ مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.

وَتَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. وَيُلَقَّبُ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الْأَعْيَانِ عَلَى إِرَادَةِ أَشْهَرِ أَحْوَالِهَا نَحْوَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: ٣] ، أَيْ أَكْلُهَا.

وَجُمْلَةُ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ إِلَخْ خَبَرٌ ثَالِثٌ أَوْ ثَانٍ عَنْ (إِنَّ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [المجادلة: ١٥] .

وَجُمْلَةُ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِجُمْلَةِ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أَيْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ، أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ. وَصَاحِبُ الشَّيْءِ مُلَازِمُهُ فَلَا يُفَارِقُهُ. إِذْ قَدْ تَقَرَّرَ من قَوْلِهِ: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً [المجادلة: ١٥] وَمِنْ قَوْلِهِ: فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [المجادلة: ١٦] أَنَّهُمْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنِ النَّارِ، فَكَيْفَ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ شَيْئًا مِنْ عَذَابِ النَّارِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ [الزمر: ١٩] أَيْ مَا أَنْتَ تُنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ. فَإِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِعِ يُنَبِّهُ عَلَى