للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَظْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَكَانَ دَلِيلُ ذَلِكَ هُوَ مَجْمُوعَ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَوْجُودَاتِ فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي اسْمٍ وَاحِدٍ هُوَ مَا الْمَوْصُولَةُ الَّتِي صِلَتُهَا قَوْلُهُ: فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَأَمَّا فَاتِحَةُ سُورَةِ الْحَشْرِ فَقَدْ سِيقَتْ لِلتَّذْكِيرِ بِمِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَادِثَةٍ أَرْضِيَّةٍ وَهِيَ خِذْلَانُ بَنِي النَّضِيرِ فَنَاسَبَ فِيهَا أَنْ يُخَصَّ أَهْلُ الْأَرْضِ بِاسْمٍ مَوْصُولٍ خَاصٍّ بِهِمْ، وَهِيَ مَا الْمَوْصُولَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صِلَتُهَا فِي الْأَرْضِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ جَاءَتْ فَوَاتِحُ سُوَرِ الصَّفِّ وَالْجُمُعَةِ وَالتَّغَابُنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا. وَأُوثِرَ الْإِخْبَارُ عَنْ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ تَسْبِيحُ شُكْرٍ عَنْ نِعْمَةٍ مَضَتْ قَبْلَ نُزُولِ السُّورَةِ وَهِيَ نِعْمَةُ إِخْرَاجِ أَهْلِ النَّضِيرِ.

[٢]

[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٢]

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا.

يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ جُمْلَةُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى آخِرِهَا اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِقَصْدِ إِجْرَاءِ هَذَا التَّمْجِيدِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ بَاهِرِ تَقْدِيرِهِ، وَلِمَا يُؤْذِنُ بِهِ ذَلِكَ مِنَ التَّعْرِيضِ بِوُجُوبِ شُكْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الْعَجِيبِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ عِلَّةً لِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ عَنْ تَسْبِيحِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ التَّذْكِيرِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالتَّعْرِيضِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمْ فَرِيقَانِ مِمَّا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا فَاتِحَةُ السُّورَة من أهل أَحْوَالِهِمَا.

وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مُبِيِّنَةً لِجُمْلَةِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الْحَشْر: ١] لِأَنَّ هَذَا التَّسْخِيرَ الْعَظِيمَ مِنْ آثَارِ عِزِّهِ وَحِكْمَتِهِ.

وَعَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ فَهُوَ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَتَمْهِيدٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ السُّورَةِ وَهُوَ قِسْمَةُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ.

وَتَعْرِيفُ جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ بِالضَّمِيرِ وَالْمَوْصُولِ يُفِيدُ قَصْرَ صِفَةِ إِخْرَاجِ الَّذِينَ كَفَرُوا