للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (مَا) مَوْصُولَة وعائدة الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ وَحَذْفُهُ أَغْلَبِيٌّ فِي أَمْثَالِهِ.

وَالْأَيْدِي مَجَازٌ فِي اكْتِسَابِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْيَدَ يَلْزَمُهَا الِاكْتِسَاب غَالِبا. ومصدق «مَا قدمت أَيْدِيهُمْ» سَيِّئَاتُهُمْ وَمَعَاصِيهُمْ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.

وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا أَتَمُّ مِمَّا هُنَالِكَ فَأَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.

وَالتَّقْدِيمُ: أَصْلُهُ جَعَلُ الشَّيْءِ مُقَدَّمًا، أَيْ سَابِقًا غَيْرَهُ فِي مَكَانٍ يَقْعُوهُ فِيهِ غَيْرُهُ.

وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِمَا سَلَفَ مِنَ الْعَمَلِ تَشْبِيهًا لَهُ بِشَيْءٍ يَسْبِقُهُ الْمَرْءُ إِلَى مَكَانٍ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، أَيْ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِهِمْ وَبِأَحْوَالِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الظَّالِمِينَ فَشَمَلَ لَفْظُ الظَّالِمِينَ الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ مِنَ الظَّالِمِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى ظُلْمِهِمْ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا.

وَقَدْ وَصَفَ الْيَهُودَ بِالظَّالِمِينَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ١٤٠] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ إِحْجَامَهُمْ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ خَوْفِ الْعِقَابِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ فِي الدُّنْيَا، فَكُنِّيَ بِعِلْمِ اللَّهِ بِأَحْوَالِهِمْ عَنْ عَدَمِ انْفِلَاتِهِمْ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَيْهَا فَفِي هَذَا وَعِيد لَهُم.

[٨]

[سُورَة الْجُمُعَة (٦٢) : آيَة ٨]

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)

تَصْرِيحٌ بِمَا اقْتَضَاهُ التَّذْيِيلُ مِنَ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ الِانْفِلَاتِ مِنَ الْجَزَاءِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ بَعُدَ زَمَانُ وُقُوعِهَا لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ لَا يُؤَثِّرُ فِي عِلْمِ اللَّهِ نِسْيَانًا، إِذْ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ مِنْ جُمْلَةِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْجُمُعَة: ٦] ، وَإِعَادَةُ فِعْلِ قُلْ مِنْ قَبِيلِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١١٤] .

وَوَصَفَ الْمَوْتَ بِ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَلَعَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ خَطَأٌ كَقَوْلِ عَلْقَمَةَ: