للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ الْعُمْرَةُ وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْحَجُّ عَلَى وَجْهِ الْإِدْمَاجِ

تَبْشِيرًا بِأَنَّهُمْ سَيَتَمَكَّنُونَ مِنَ الْحَجِّ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ.

وَالْإِتْمَامُ إِكْمَالُ الشَّيْءِ وَالْإِتْيَانُ عَلَى بَقَايَا مَا بَقِيَ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَهُ.

وَمِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِوَصْفِ فِعْلٍ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ تَحْصِيلَ وَصْفٍ خَاصٍّ لِلْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْوَصْفُ كَالْإِتْمَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ أَيْ كَمِّلُوهُ إِنْ شَرَعْتُمْ فِيهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [الْبَقَرَة: ١٨٧] عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ [التَّوْبَة:

٤] وَمِثْلُهُ أَنْ تَقُولَ: أَسْرِعِ السِّيَرَ لِلَّذِي يَسِيرُ سَيْرًا بَطِيئًا، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَجِيءَ الْأَمْرُ بِوَصْفِ الْفِعْلِ مُرَادًا بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة: ١٥٠] ، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ: أَسْرِعِ السَّيْرَ فَادْعُ لِي فُلَانًا تُخَاطِبُ بِهِ مُخَاطَبًا لَمْ يَشْرَعْ فِي السَّيْرِ بَعْدُ، فَأَنْتَ تَأْمُرُهُ بِإِحْدَاثِ سَيْرٍ سَرِيعٍ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ:

«وَسِّعْ فَمَ الرَّكِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ: وَسِّعْ كُمَّ الْجُبَّةِ وَضَيِّقْ جَيْبَهَا» أَيْ أَوْجِدْهَا كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ التَّعْبِيرِ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَلَا مَجَازٍ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ شَيْئَيْنِ وَهُوَ أَقَلُّ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ ابْتِدَاءً هُوَ الْحَدَثُ الَّذِي مِنْهُ مَادَّةُ تِلْكَ الصِّيغَةِ.

وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهِيَ أَمْرٌ بِإِكْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بِمَعْنَى أَلَّا يَكُونَ حَجًّا وَعُمْرَةً مَشُوبَيْنِ بِشَغَبٍ وَفِتْنَةٍ وَاضْطِرَابٍ أَوْ هِيَ أَمْرٌ بِإِكْمَالِهِمَا وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَنْهُمَا بَعْدَ الْإِهْلَالِ بِهِمَا وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْهُمَا شَنَآنُ الْعَدُوِّ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهِيَ أَمْرٌ بِالْإِتْيَانِ بِهِمَا تَامَّيْنِ أَيْ مُسْتَكْمِلَيْنِ مَا شُرِعَ فِيهِمَا.

وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَنْسَبُ بِالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَأَنَّ هَذَا التَّحْرِيضَ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ هُنَا هُمَا الصَّرُورَةُ فِي الْحَجِّ وَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا.

وَاللَّامُ فِي (الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، وَهُمَا عِبَادَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ مُتَمَيِّزَتَانِ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَجْنَاسِ، فَالْحَجُّ هُوَ زِيَارَةُ الْكَعْبَةِ فِي مَوْسِمٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لِلْجَمَاعَةِ وَفِيهِ وُقُوفُ عَرَفَةَ، وَالْعُمْرَةُ زِيَارَةُ الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ مَوْسِمٍ مُعَيَّنٍ وَهِيَ لِكُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ.

وَأَصْلُ الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا تَكَرُّرُ الْقَصْدِ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ كَثْرَةُ قَاصِدِيهِ.

وَعَنِ