للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُؤْمِنَ مُرْتَاضٌ بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ مُتَّبِعٌ لِوَصَايَا اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُجَاف لفاسد الْأَخْلَاقِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ يَتَلَقَّى مَا يُصِيبُهُ مِنْ مُصِيبَةٍ بِالصَّبْرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي أَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَخْلُو مِنْ عَوَارِضَ مُؤْلِمَةٍ أَوْ مُكَدِّرَةٍ. قَالَ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [الْبَقَرَة: ١٥٥- ١٥٧] ، أَيْ أَصْحَابَ الْهُدَى الْكَامِلِ لِأَنَّهُ هُدًى مُتَلَقًّى مِنَ التَّعَالِيمِ الْإِلَهِيَّةِ الْحَقِّ الْمَعْصُومَةِ مِنَ الْخَطَلِ كَقَوْلِهِ هُنَا: يَهْدِ قَلْبَهُ.

وَهَذَا الْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ إِيمَاءٌ إِلَى الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَدْيِ اللَّهِ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ تَرْغِيبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّبَاتِ وَالتَّصَبُّرِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ فَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِجُمْلَةِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَارِدٌ عَلَى مُرَاعَاةِ جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَنَّ الْمَصَائِبَ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَمِنْ أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ لِلثَّبَاتِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَصَائِبِ وَمِنَ الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، أَيْ يَعْلَمُ جَمِيعَ ذَلِكَ.

وَفِيهِ كِنَايَةٌ عَنْ مُجَازَاةِ الصَّابِرِينَ بِالثَّوَابِ لِأَنَّ فَائِدَةَ عِلْمِ اللَّهِ الَّتِي تُهِمُّ النَّاسَ هُوَ التَّخَلُّقُ وَرَجَاءُ الثَّوَابِ وَرفع الدَّرَجَات.

[١٢]

[سُورَة التغابن (٦٤) : آيَة ١٢]

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: ١١] لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُتَهَيِّئُونَ لِطَاعَةِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَدْعُوَانِهِمْ إِلَيْهِ من مصَالح الْأَعْمَالِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَذْيِيلُ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمرَان: ١٢٢] ، وَلِأَنَّ طَلَبَ الطَّاعَةِ فَرْعٌ عَنْ

تَحَقُّقِ الْإِيمَانِ كَمَا

فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَأَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً»

الْحَدِيثَ.