للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَكْرِيرٌ لِلْمَوْعِظَةِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ. وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطَّلَاق: ٢، ٣] . وَالْمَقْصُودُ مَوْعِظَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الْأَخْذِ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّ عَلَى كُلٍّ أَنْ يَصْبِرَ لِذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ فَإِنَّ الْمُمْتَثِلَ وَهُوَ مُسَمًّى الْمُتَّقِيَ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ يُسْرًا فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ عُسْرٍ.

وَالْأَمْرُ: الشَّأْنُ وَالْحَالُ. وَالْمَقْصُودُ: يَجْعَلُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ الْعَسِيرِ فِي نَظَرِهِ يُسْرًا بِقَرِينَةِ جَعْلِ الْيُسْرَ لِأَمْرِهِ.

ومِنْ لِلِابْتِدَاءِ الْمَجَازِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُلَابَسَةُ.

وَالْيُسْرُ: انْتِفَاءُ الصُّعُوبَةِ، أَيِ انْتِفَاءُ الْمَشَاقِّ وَالْمَكْرُوهَاتِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِالْيُسْرِ فِيمَا شَأْنُهُ الْعُسْرُ لِحَثِّ الْأَزْوَاجِ عَلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الزَّوْجَ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَمِنَ الْمُرَاجَعَةِ وَتَرْكِ مَنْزِلِهِ لِأَجْلِ سُكْنَاهَا إِذَا كَانَ لَا يَسَعُهُمَا وَمَا أَمَرَ بِهِ الْمَرْأَةَ مِنْ تَرَبُّصِ أَمَدِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ.

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: أَمْرُ اللَّهِ: حُكْمُهُ وَمَا شَرَعَهُ لَكُمْ كَمَا قَالَ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] .

وَإِنْزَالُهُ: إِبْلَاغُهُ إِلَى النَّاسِ بِوَاسِطَة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْإِنْزَالَ تَشْبِيهًا لِشَرَفِ مَعَانِيهِ وَأَلْفَاظِهِ بِالشَّيْءِ الرَّفِيعِ لِأَنَّ الشَّرِيفَ يُتَخَيَّلُ رَفِيعًا. وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.

فَفِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَهُ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ.

وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَثِّ عَلَى التَّهَمُّمِ بِرِعَايَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبَعْثِ النَّاسِ عَلَى التَّنَافُسِ فِي الْعِلْمِ بِهِ إِذْ قَدِ اعْتَنَى اللَّهُ بِالنَّاسِ حَيْثُ أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ.

وَأُعِيدَ التَّحْرِيضُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَعَدِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَرْزَاقِ وتفريج الكرب وتيسير الصُّعُوبَاتِ فِي الدُّنْيَا. وَذَلِكَ هُوَ تَكْفِيرٌ للسيئات وتوفير للأجور.