للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (كَأَيِّنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ.

وَجُمْلَةُ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ لِ كَأَيِّنْ.

وَالْمَعْنَى: الْإِخْبَارُ بِكَثْرَةِ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فُرِّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَحاسَبْناها فَالْمُفَرَّعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ: أَهْلُهَا عَلَى حد قَوْله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها [يُوسُف: ٨٢] بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِذْ جِيءَ بِضَمِيرِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ.

وَإِنَّمَا أُوثِرَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ هُنَا دُونَ الْأُمَّةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ فِي اجْتِلَابِ هَذَا اللَّفْظِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَمُشَايَعَةً لَهُمْ بِالنَّذَارَةِ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ أَهْلِ الْقُرَى فِي التَّذْكِيرِ بِعَذَابِ اللَّهِ فِي نَحْوِ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الْأَعْرَاف: ٤] .

وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِوَعْدِ اللَّهِ بِنَصْرِهِمْ وَمَحْقِ عَدِوِّهِمْ.

وَالْعُتُوُّ وَيُقَالُ الْعُتِيُّ: تَجَاوَزُ الْحَدِّ فِي الِاسْتِكْبَارِ وَالْعِنَادِ. وَضُمِّنَ مَعْنَى الْإِعْرَاضِ فَعُدِّيَ بِحَرْفِ عَنْ.

وَالْمُحَاسِبَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْجَزَاءِ عَلَى الْفِعْلِ بِمَا يُنَاسِبُ شِدَّتَهُ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ، تَشْبِيهًا لِتَقْدِيرِ الْجَزَاءِ بِإِجْرَاءِ الْحِسَابِ بَيْنَ الْمُتَعَامِلِينَ، وَهُوَ الْحِسَابُ فِي الدُّنْيَا، وَلذَلِك جَاءَ

فَحاسَبْناها، وعَذَّبْناها بِصِيغَةِ الْمَاضِي.

وَالْمَعْنَى: فَجَازَيْنَاهَا عَلَى عتوّها جَزَاء يكافىء طُغْيَانَهَا.

وَالْعَذَابُ النُّكُرُ: هُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ بِالْغَرَقِ، وَالْخَسْفِ، وَالرَّجْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَعَطْفُ الْعَذَابِ عَلَى الْحِسَابِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّهُ غَيْرُهُ، فَالْحِسَابُ فِيمَا لَقُوهُ قَبْلَ الِاسْتِئْصَالِ مِنَ الْمُخَوِّفَاتِ وَأَشْرَاطِ الْإِنْذَارِ مِثْلَ الْقَحْطِ وَالْوَبَاءِ وَالْعَذَابِ هُوَ مَا تُوُعِّدُوا بِهِ.

وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْحِسَابَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيُرَادَ بِهِ حِسَابُ الْآخِرَةِ. وَشِدَّتُهُ قُوَّةُ الْمُنَاقَشَةِ فِيهِ وَالِانْتِهَارُ عَلَى كُلِّ سَيِّئَةٍ يُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.