للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ لِلْعَرَبِ غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ. وَذَلِكَ فِي كُلِّ اسْمٍ مُثَنَّى أُضِيفَ إِلَى اسْمٍ مُثَنَّى فَإِنَّ الْمُضَافَ يَصِيرُ جَمْعًا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلُ خِطَامِ الْمُجَاشِعِيِّ:

وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ ... ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ

وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُعَبِّرُوا بِلَفْظِ الْجَمْعِ مُضَافًا إِلَى اسْمِ الْمُثَنَّى لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي الْكَلَامِ فَهُمَا يَتَعَاوَرَانِ. وَيَقِلُّ أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ مُضَافًا إِلَى الِاسْمِ الْمُثَنَّى. وَقَالَ ابْنُ عُصْفُورٍ: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ.

وَذَكَرَ لَهُ أَبُو حَيَّانَ شَاهِدًا قَوْلَ الشَّاعِرِ:

حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَادِيَيْنِ تَرَنَّمِي ... سَقَاكِ مِنَ الْغُرِّ الْغَوَادِي مَطِيرُهَا

وَفِي «التَّسْهِيلِ» : تَرْجِيحُ التَّعْبِيرِ عَنِ الْمُثَنَّى الْمُضَافِ إِلَى مُثَنَّى بِاسْمٍ مُفْرَدٍ، عَلَى

التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ الْمُحِيطِ» : إِنَّ ابْنَ مَالِكٍ غَلَطَ فِي ذَلِكَ.

قُلْتُ: وَزَعْمَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ «الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ» ، أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: اشْتَرِ رَأْسَ كَبْشَيْنِ يُرِيدُ رَأْسَيْ كَبْشَيْنِ خَطَأٌ. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ اه. وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ عُصْفُورٍ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ عَنِ الْمُضَافِ الْمُثَنَّى بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، أَيْ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ. وَقَيَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْمُفَصَّلِ» هَذَا التَّعْبِيرَ بِقَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظَانِ مُتَّصِلَيْنِ. فَقَالَ: «وَيُجْعَلُ الِاثْنَانِ عَلَى لَفْظِ جَمْعٍ إِذَا كَانَا مُتَّصِلَيْنِ كَقَوْلِهِ: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَلَمْ يَقُولُوا فِي الْمُنْفَصِلَيْنِ: أَفَرَاسُهُمَا وَلَا غِلْمَانُهُمَا. وَقَدْ جَاءَ وَضَعَا رِحَالَهُمَا» . فَخَالَفَ إِطْلَاقَ ابْنِ مَالِكٍ فِي «التَّسْهِيلِ» وَطَرِيقَةُ صَاحِبِ «الْمُفَصَّلِ» أَظْهَرُ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ هُوَ ضِدُّ إِنْ تَتُوبا أَيْ وَإِنْ تُصِرَّا عَلَى الْعَوْدِ إِلَى تَأَلُّبِكُمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ مَوْلَاهُ إِلَخْ.

وَالْمُظَاهَرَةُ: التَّعَاوُنُ، يُقَالُ: ظَاهَرَهُ، أَيْ أَيَّدَهُ وَأَعَانَهُ. قَالَ تَعَالَى: وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [٤] . وَلَعَلَّ أَفْعَالَ الْمُظَاهِرِ وَوَصْفَ ظَهِيرٍ كُلَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الِاسْمِ الْجَامِدِ، وَهُوَ الظَّهْرُ لِأَنَّ الْمُعِينَ وَالْمُؤَيِّدَ كَأَنَّهُ يَشُدُّ ظَهْرَ مَنْ يُعِينُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْفَرْعِيَّةِ وَالْأَوْصَافِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَنْهَا فِعْلٌ مُجَرَّدٌ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِعْلُ عَضَدَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: شَدَّ عَضُدَهُ.