للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل شيء وأنه هو المحدث كل شيء بقدرته تعالى ذكره فمن الدلالة على ذلك أنه لا شيء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا مفترق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن، وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع، فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن.

وإذا كان الأمر فيما في العالم من شيء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا، وتفريق مفرق له إن كان مفترقا وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا، ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق، وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات، الذي لا يشبهه شيء، وهو على كل شيء قدير- فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها، إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذكره:

«أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» ، لابلغ الحجج،

<<  <  ج: ص:  >  >>