للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدا بظنة قد وضعها الله عنه بالتوبة، ولا بحدث كان منه في حرب أعقبه الله منها سلما ستر به عن ذي غلة، وحجز به عن محنة ما في الصدور، وليس ييأس أمير المؤمنين لأحد ولا لنفسه من الله من إقبال مدبر، كما أنه لا يأمن إدبار مقبل إن شاء الله والسلام.

وذكر عن عباس بْن الفضل، قَالَ: حدثني يحيى بْن سليم كاتب الفضل بْن الربيع، قَالَ: لم ير في دار المنصور لهو قط، ولا شيء يشبه اللهو واللعب والعبث إلا يوما واحدا، فإنا رأينا ابنا له يقال له عبد العزيز أخا سليمان وعيسى ابنى ابى جعفر من الطلحيه، توفي وهو حدث، قد خرج على الناس متنكبا قوسا، متعمما بعمامة، مترديا ببرد، في هيئة غلام أعرابي، راكبا على قعود بين جوالقين، فيهما مقل ونعال ومساويك وما يهديه الأعراب، فعجب الناس من ذلك وأنكروه قَالَ: فمضى الغلام حتى عبر الجسر، وأتى المهدي بالرصافة فأهدى إليه ذلك، فقبل المهدي ما في الجواليق وملأهما دراهم، فانصرف بين الجوالقين، فعلم أنه ضرب من عبث الملوك.

وذكر عن حماد التركي، قَالَ: كنت واقفا على رأس المنصور، فسمع جلبة في الدار، فقال: ما هذا يا حماد؟ انظر، فذهبت فإذا خادم له قد جلس بين الجواري، وهو يضرب لهن بالطنبور، وهن يضحكن، فجئت فأخبرته، فقال: وأي شيء الطنبور؟ فقلت: خشبة من حالها وأمرها.

ووصفتها له، فقال لي: أصبت صفته، فما يدريك أنت ما الطنبور! قلت:

رأيته بخراسان، قَالَ: نعم هناك، ثم قَالَ: هات نعلي، فأتيته بها فقام يمشي رويدا حتى أشرف عليهم فرآهم، فلما بصروا به تفرقوا، فقال: خذوه، فأخذ، فقال: اضرب به رأسه، فلم أزل أضرب به رأسه حتى كسرته، ثم قَالَ:

أخرجه من قصري، واذهب به إلى حمران بالكرخ، وقل له يبيعه.

وذكر العباس بْن الفضل عن سلام الأبرش، قَالَ: كنت وأنا وصيف وغلام آخر نخدم المنصور داخلا في منزله، وكانت له حجرة فيها بيت وفسطاط وفراش ولحاف يخلو فيه، وكان من أحسن الناس خلقا ما لم يخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>