للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحن نسير، إذا رجل خفي الشخص في طمرين، ونحن بعد في غلس، قد جاء فدخل بين أعناق دابتينا، ثم أقبل علينا، فقال: مات والله الرجل! ثم خفي عنا، فمضينا نحن حتى أتينا العسكر، فدخلنا السرادق الذي كنا نجلس فيه في كل يوم، فإذا بموسى بْن المهدي قد صدر عند عمود السرادق، وإذا القاسم بْن منصور في ناحية السرادق- وقد كان حين لقينا المنصور بذات عرق، إذا ركب المنصور بعيره جاء القاسم فسار بين يديه بينه وبين صاحب الشرطه، ويؤمر الناس أن يرفعوا القصص إليه- قَالَ: فلما رأيته في ناحية السرادق ورأيت موسى مصدرا، علمت أن المنصور قد مات قَالَ: فبينا أنا جالس إذ أقبل الحسن بْن زيد، فجلس إلى جنبي، فصارت فخذه على فخذي، وجاء الناس حتى ملئوا السرادق، وفيهم ابن عياش المنتوف، فبينا نحن كذلك، إذ سمعنا همسا من بكاء، فقال لي الحسن: أترى الرجل مات! قلت:

لا أحسب ذلك، ولكن لعله ثقيل، أو أصابته غشية، فما راعنا إلا بأبي العنبر الخادم الأسود خادم المنصور، قد خرج علينا مشقوق الأقبية من بين يديه ومن خلفه، وعلى رأسه التراب، فصاح: وا أمير المؤمنيناه! فما بقي في السرادق أحد إلا قام على رجليه، ثم أهووا نحو مضارب أبي جعفر يريدون الدخول، فمنعهم الخدم، ودفعوا في صدورهم وقال ابن عياش المنتوف:

سبحان الله! أما شهدتم موت خليفة قط! اجلسوا رحمكم الله فجلس الناس، وقام القاسم فشق ثيابه، ووضع التراب على رأسه، وموسى جالس على حاله.

وكان صبيا رطبا ما يتحلحل.

ثم خرج الربيع، وفي يده قرطاس، فألقى أسفله على الأرض، وتناول طرفه، ثم قرأ:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه المنصور أمير المؤمنين إلى من خلف بعده من بني هاشم وشيعته من أهل خراسان وعامة المسلمين- ثم ألقى القرطاس من يده، وبكى وبكى الناس، فأخذ القرطاس، وقال: قد أمكنكم البكاء، ولكن هذا عهد عهده أمير المؤمنين، لا بد من أن نقرأه عليكم، فأنصتوا رحمكم الله، فسكت الناس، ثم رجع إلى القراءة- أما بعد:

<<  <  ج: ص:  >  >>