للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتكرمة! فقال: يا أمير المؤمنين، لقد بؤت إذا بالندم، وتعرضت لاستحلال النقم، وما ذاك إلا بغي حاسد نافسني فيك مودة القرابة وتقديم الولاية إنك يا أمير المؤمنين خليفة رسول الله ص في امته، وامينه على عترته، لك فيها فرض الطاعة وأداء النصيحة، ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها، والغفران لذنوبها فقال له الرشيد: أتضع لي من لسانك، وترفع لي من جنانك! هذا كاتبك قمامة يخبر بغلك، وفساد نيتك، فاسمع كلامه.

فقال عبد الملك: أعطاك ما ليس في عقده، ولعله لا يقدر أن يعضهني ولا يبهتني بما لم يعرفه مني وأحضر قمامة، فقال له الرشيد: تكلم غير هائب ولا خائف، قَالَ: أقول: إنه عازم على الغدر بك والخلاف عليك، فقال عبد الملك: أهو كذاك يا قمامة! قَالَ قمامة: نعم، لقد أردت ختل أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: كيف لا يكذب علي من خلفي وهو يبهتني في وجهي! فقال له الرشيد: وهذا ابنك عبد الرحمن يخبرني بعتوك وفساد نيتك، ولو أردت أن أحتج عليك بحجة لم أجد أعدل من هذين لك، فبم تدفعهما عنك؟ فقال عبد الملك بْن صالح: هو مأمور، أو عاق مجبور، فإن كان مأمورا فمعذور، وإن كان عاقا ففاجر كفور، أخبر الله عز وجل بعداوته، وحذر منه بقوله: «إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» .

قَالَ: فنهض الرشيد، وهو يقول: أما أمرك فقد وضح، ولكني لا أعجل حتى أعلم الذي يرضي الله فيك، فإنه الحكم بيني وبينك فقال عبد الملك: رضيت بالله حكما، وبأمير المؤمنين حاكما، فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه، وأمر الله على رضاه.

قَالَ: فلما كان بعد ذلك جلس مجلسا آخر، فسلم لما دخل، فلم يرد عليه، فقال عبد الملك: ليس هذا يوما أحتج فيه، ولا أجاذب منازعا

<<  <  ج: ص:  >  >>