للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه لها فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس، مثل ما كان يكون فيه من هيئة، ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له، كما كانت تصنع به في ملكه، وتروح كل عشية بمثل ذلك، لا يعلم سليمان بشيء من ذلك أربعين صباحا، وبلغ ذلك آصف بن برخيا- وكان صديقا، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل، حاضرا كان سليمان أو غائبا- فأتاه فقال: يا نبي الله، كبرت سني، ودق عظمي، ونفد عمري، وقد حان منى ذهاب! وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله، وأثني عليهم بعلمي فيهم، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم، فقال:

افعل، فجمع له سليمان الناس، فقام فيهم خطيبا، فذكر من مضى من أنبياء الله، فأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر ما فضله الله به، حتى انتهى الى سليمان وذكره، فقال: ما كان احملك في صغرك، وأورعك في صغرك، وأفضلك في صغرك، وأحكم أمرك في صغرك، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك! ثم انصرف فوجد سليمان في نفسه حتى ملأه غضبا، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه، فقال: يا آصف، ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم، وعلى كل حال من أمرهم، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري، فما الذي أحدثت في آخر أمري؟ قَالَ: إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة، فقال: في دارى! فقال: في دارك، قَالَ:

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! لقد عرفت أنك ما قلت إلا عن شيء بلغك، ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الطهرة فأتي بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها الا

<<  <  ج: ص:  >  >>