للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فانتهينا الى واد ولم نعرف غوره، وقد خلفنا العسكر وراءنا، فقال لي: مكانك حتى أتقدم فأعرف غور الماء وأطلب قلته، واتبع أنت موضع سيري، قال: فتقدم فدخل الوادي.

وجعل يطلب قلة الماء، فمره ينحرف عن يمينه، ومره ينحرف عن شماله، وتارة يمشي لسننه، وأنا خلفه متبع لأثره حتى قطعنا الوادي قال: واستخرجت منه لأهل الشاش ألفي ألف درهم لكري نهر لهم اندفن في صدر الإسلام، فأضر ذلك بهم، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما لي ولك، تأخذ مالي لأهل الشاش وفرغانة! قلت: هم رعيتك يا أمير المؤمنين، والأقصى والأدنى في حسن نظر الإمام سواء.

وقال غيره: إنه إذا غضب لا يبالي من قتل ولا ما فعل.

وذكر عن الفضل بن مروان أنه قال: لم يكن للمعتصم لذة في تزيين البناء، وكانت غايته فيه الأحكام قال: ولم يكن بالنفقة على شيء أسمح منه بالنفقة في الحرب.

وذكر محمد بن راشد، قال: قال لي أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم:

دعاني أمير المؤمنين المعتصم يوما، فدخلت عليه وعليه صدرة وشي ومنطقة ذهب وخف أحمر، فقال لي: يا إسحاق، أحببت أن أضرب معك بالصوالجة، فبحياتي عليك إلا لبست مثل لباسي، فاستعفيته من ذلك فأبى، فلبست مثل لباسه، ثم قدم إليه فرس محلاة بحلية الذهب، ودخلنا الميدان، فلما ضرب ساعة، قال لي: أراك كسلان، وأحسبك تكره هذا الزي، فقلت:

هو ذاك يا أمير المؤمنين، فنزل وأخذ بيدي، ومضى يمشي وأنا معه إلى أن صار إلى حجرة الحمام، فقال: خذ ثيابي يا إسحاق، فأخذت ثيابه حتى تجرد، ثم أمرني بنزع ثيابي ففعلت، ثم دخلنا انا وهو الحمام، وليس معنا غلام، فقمت عليه ودلكته، وتولى أمير المؤمنين المعتصم مني مثل ذلك، وأنا في كل ذلك أستعفيه، فيأبى علي، ثم خرج من الحمام فأعطيته ثيابه، ولبست ثيابي، ثم أخذ بيدي ومضى يمشي، وأنا معه حتى صار إلى مجلسه فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>