للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابو جعفر: قد ذكرنا قبل موافاة المستعين وشاهك الخادم ووصيف وبغا وأحمد بن صالح بن شيرزاد بغداد، وكانت موافاتهم إياها يوم الأربعاء لثلاث ساعات مضين من النهار لأربعة أيام- وقيل لخمسة أيام- خلون من المحرم من هذه السنة، فلما وافاها، نزل المستعين على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره، ثم وافى بغداد خليفة لوصيف على أعماله، يعرف بسلام، فاستعلم ما عنده، ثم انصرف راجعا إلى منزله بسامرا، فوافى القواد خلا جعفر الخياط وسليمان بن يحيى بن معاذ بغداد مع جلة الكتاب والعمال وبني هاشم، ثم وافى بعد ذلك من قواد الأتراك الذين في ناحيه وصيف كلباتكين القائد وطيغج الخليفة، تركي، وابن عجوز الخليفة، نسائي، وممن في ناحية بغا بايكباك القائد من غلمان الخدمة مع عدة من خلفاء بغا.

وكان- فيما ذكر- وجه إليهم وصيف وبغا قبل قدومهم رسولا، يأمرانهم أن يصيروا إذا قدموا بغداد إلى الجزيرة التي حذاء دار محمد بن عبد الله بن طاهر، ولا يصيروا إلى الجسر، فيرعبوا العامة بدخولهم ففعلوا وصاروا إلى الجزيرة، فنزلوا عن دوابهم، فوجهت إليهم زواريق حتى عبروا فيها، فصعد كلباتكين وبايكباك والقواد من أهل الدور وأرناتجور التركي، فدخلوا على المستعين، فرموا بأنفسهم بين يديه، وجعلوا مناطقهم في أعناقهم تذللا وخضوعا، وكلموا المستعين وسألوه الصفح عنهم والرضا، فقال لهم: أنتم أهل بغي وفساد واستقلال للنعم، ألم ترفعوا إلي في أولادكم، فألحقتهم بكم، وهم نحو من ألفي غلام، وفي بناتكم فأمرت بتصييرهن في عداد المتزوجات وهن نحو من أربعة آلاف امرأة في المدركين والمولودين! وكل هذا قد أجبتكم إليه، وأدررت لكم الأرزاق حتى سبكت لكم آنية الذهب والفضة، ومنعت نفسي لذتها وشهوتها، كل ذلك إرادة لصلاحكم ورضاكم، وأنتم تزدادون بغيا وفسادا وتهددا وإبعادا! فتضرعوا، وقالوا: قد أخطأنا، وأمير المؤمنين الصادق في كل قوله، ونحن

<<  <  ج: ص:  >  >>