للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليلة وهو في قصر المملكة بطيسبون، من ضوضاء الناس بسحر، فسأل عن ذلك، فأخبر أن ذلك ضجة الناس عند ازدحامهم على جسر دجلة مقبلين ومدبرين، فأمر باتخاذ جسر آخر، حتى يكون أحدهما معبرا للمقبلين، والآخر معبرا للمدبرين، فلا يزدحم الناس في المرور عليهما.

فاستبشر الناس بما رأوا من فطنته لما فطن من ذلك على صغر سنه وتقدم فيما أمر به من ذلك، فذكر أن الشمس لم تغرب من يومهم ذلك حتى عقد جسر بالقرب من الجسر الذي كان فاستراح الناس من المخاطرة بأنفسهم في الجواز على الجسر، وجعل الغلام يتزيد في اليوم ما يتزيده غيره في الحين الطويل.

وجعل الكتاب والوزراء يعرضون عليه الأمر بعد الأمر، فكان فيما عرض عليه أمر الجنود التي في الثغور، ومن كان منهم بإزاء الأعداء وإن الأخبار وردت بان اكثرهم قد اخل، وعظموا عليه الأمر في ذلك، فقال لهم سابور:

لا يكبرن هذا عندكم، فإن الحيلة فيه يسيرة، وأمر بالكتاب إلى أولئك الجنود جميعا، بأنه انتهى إليه طول مكثهم في النواحي التي هم بها، وعظم غنائهم عن أوليائهم وإخوانهم، فمن أحب أن ينصرف إلى أهله فلينصرف مأذونا له في ذلك، ومن أحب أن يستكمل الفضل بالصبر في موضعه عرف ذلك له وتقدم إلى من اختار الانصراف في لزوم أهله وبلاده إلى وقت الحاجة إليه.

فلما سمع الوزراء ذلك من قوله استحسنوه، وقالوا: لو كان هذا قد أطال تجربة الأمور، وسياسة الجنود ما زاد رأيه وصحة منطقه على ما سمعنا به ثم تتابعت أخباره إلى البلدان والثغور، بما قوم أصحابه، وقمع أعداءه.

حتى إذا تمت له ست عشرة سنة وأطاق حمل السلاح وركوب الخيل، واشتد عظمه، جمع إليه رؤساء أصحابه وأجناده، ثم قام فيهم خطيبا، ثم ذكر ما أنعم الله به عليه وعليهم بآبائه، وما أقاموا من أدبهم ونفوا من أعدائهم، وما اختل من أمورهم، في الأيام التي مضت من أيام صباه، وأعلمهم أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>