للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما حولها ثم صعد الى السماء فنزل المدينة وأشرقت أرض يثرب بنوره وكثير من الكواكب تحرّكت موافقات له ثم انّ ذلك القمر مع تلك الكواكب الجمة صعدت الى الهواء وهبطت فى حرم مكة وأرض يثرب مضيئة بعد كما كانت الا ثلثمائة وستين بيتا وفى رواية أربعمائة بيت* ولما انتهى ذلك القمر الى البلد الحرام استنار ما حول الحرم أيضا ثم سار القمر نحو المدينة ودخل منزل عائشة فانشقت الارض وتوارى فيها فلما انتبه أبو بكر غلبة البكاء اذ كان ماهرا فى معرفة تعبير الرؤيا ومشهورا بين العرب بهذا الفنّ فنظر بنظر الاعتبار فى تعبير تلك الرؤيا فعلم ان ذلك القمر شمس فلك الرسالة وانّ تلك الكواكب اللوامع أصحابه وأقر باؤه الذين يختارون الغربة بموافقته ويهاجرون الى المدينة ورجوع ذلك القمر مع تلك الكواكب الى مكة دليل على ان فتح مكة سيحصل له ودخوله منزل عائشة علامة انها تشرف بشرف فراشه فى المدينة وانشقاق الارض وتوارى القمر فيها مشير الى أن وفاته صلّى الله عليه وسلم تكون بالمدينة ويدفن فى بيت عائشة فاعترى أبا بكر من هذه الرؤية غمان أحدهما غم الهجرة من دياره وترك وطنه المألوف والثانى غم مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فتفكر فى نفسه فقال أمّا مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأمر صعب وأمّا الغربة فلا أباليها اذا كنت معه صلّى الله عليه وسلم كما قيل

لو ضمنى بيت نمل والحبيب به ... لكان ذلك لى روض وبستان

وأطيب الارض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع المحبوب ميدان

وقيل

رحب الفلاة مع الاعداء ضيقة ... سم الخياط مع الاحباب ميدان

فترصد رفاقته وانتظر صحبته صلّى الله عليه وسلم* ومن تعبيرات أبى بكر ما ذكر فى حياة الحيوان انّ عائشة رضى الله عنها رأت ثلاثة أقمار سقطن فى حجرها فقال لها أبو بكر ان صدقت رؤياك فانه يدفن فى بيتك ثلاثة من خيار أهل الارض فلما دفن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها والله أعلم*

[(ذكر مشاورة قريش فى اخراجه أو حبسه أو قتله واخبار جبريل بذلك اياه صلى الله عليه وسلم واذنه له بالهجرة)]

* قال أصحاب السير لما رأت قريش انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصابوا منعة وأصحابا بغير بلدهم ونزلوا دارا ووجدوا مهاجرا قريبا يهاجر اليه بقية أصحابه عرفوا انه قد عزم أن يلحق بهم وسيحميه المدنيون فخافوا خروجه اليهم وحذروا تفاقم أمره فاجتمعوا بدار الندوة للمشاورة وهى دار قصى بن كلاب وكانت قريش لا تقضى أمرا الا فيها وفيها يتشاورون وحجبوا الناس عن الدخول اليهم لئلا يدخل أحد من بنى هاشم فيطلع على حالهم فزعم ابن دريد فى الوشاح انهم كانوا خمسة عشر رجلا* وفى المولد لابن دحية كانوا مائة رجل ولما قعدوا للتشاور تبدى لهم ابليس فى صورة شيخ نجدى جليل فوقف على باب الدار فلما رأوه قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذى تواعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأى ونصح* وفى معالم التنزيل سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا قالوا ادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من كل قبيلة وفى رواية تبدى لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لابس مرقع وجلس* وفى المواهب اللدنية تمثل لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لانهم قالوا كما ذكره بعض أهل السير لا يدخلن فى المشاورة معكم أحد من أهل تهامة لانّ هواهم مع محمد فلذلك تمثل فى صورة شيخ نجدى قالوا من الشيخ ومن أدخلك فى خلوتنا هذه بغير اذننا قال أنا شيخ من قبيلة نجد وجدت وجوهكم مليحة ورائحتكم طيبة أردت أن أسمع كلامكم وأقتبس منه شيئا ولقد أعرف مقصودكم وان كنتم

<<  <  ج: ص:  >  >>