للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فثقبه ثقبا كالترس وعلقت النار فيه وفى السقف الاسفل ففتح الخادم أبواب المسجد قبل الوقت المعتاد وقبل اسراجه ونودى بالحريق فى المسجد فاجتمع أمير المدينة وأهلها بالمسجد الشريف وصعد أهل النجدة منهم بالمياه لاطفاء النار وقد التهبت سريعا فى السقفين وأخذت لجهة الشمال والمغرب فعجزوا عن اطفائها وكلما حاولوه لم تزدد الا التهابا واشتعالا فحاولوا قطعها بهدم بعض ما أمامها من السقف فسبقتهم لسرعتها وتطبق المسجد بدخان عظيم فخرج غالب من كان به ولم يستطيعوا المكث فكان ذلك سبب سلامتهم وهرب من كان بسطح المسجد الى شماليه ونزلوا بما كان معهم من حبال الدلاء التى استقوا بها الماء لخارج المسجد على الميضأة والبيوت التى هناك وما حول ذلك وسقط بعضهم فهلك ونزل طائفة منهم الى المسجد من الدرج فاحترق بعضهم ولجأبقيتهم الى صحن المسجد مع من حالت النار بينه وبين أبواب المسجد ممن كان اسفل منهم ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن المسكين المعروف بالعوفى فمات بعد أيام لضيق نفسه بسبب الدخان واحترق من الخدام الزينى سند نائب خازندار الحرم ومات جماعة تحت هدم الحريق من الفقراء وسودان المدينة وجملة من مات بسبب ذلك بضع عشرة نفسا وكان سلامة من بقى بالمسجد على خلاف القياس لانّ النار عظمت جدّا حتى صار المسجد كبحر لجىّ من نار ولها زفير وشهيق وألسن تصعد فى الجوّ وصار لهبها يؤثر من بعيد حتى أثرت فى النخلات التى فى صحن المسجد* وفى سنة أربع وخمسين وستمائة خرج الطاغية العنيد مبيد الامم هولاكو فأخذ قلعة الموت من الاسماعيلية وقتلهم وأخرب نواحى الرى وبذلت السيوف على عوائدهم فتوجه الكامل محمد صاحب ميافارقين الى خدمة هولاكو فأعطاه القرمان ثم نزل هولاكو باذربيجان وأخذها* وفى سنة خمس وخمسين وستمائة ثارت فتنة مهولة ببغداد بين السنية والرافضة أدّت الى نهب عظيم وخراب وقتل عدّة من الرافضة فغضب لها وتنمر ابن العلقمى الوزير وجسر التتار على العراق ليشتفى من السنية*

[وصول هولاكو الى بغداد]

وفى أوّل سنة ست وخمسين وستمائة وصل الطاغية هولاكو بن تولى بن جنكيزخان المغلى بغداد بجيوشه وبالكرج وبعسكر الموصل فخرج الدويدار بالعسكر فالتقى طلائع هولاكو وعليهم ياجونوس فانكسر المسلمون لقلتهم ثم أقبل ياجونوس فنزل على بغداد من غربيها ونزل هولاكو من شرقيها فقال الوزير ابن العلقمى للخليفة المستعصم بالله انى أخرج الى القاآن الاعظم فى تقرير الصلح فخرج الكلب وتوثق لنفسه ورجع فقال انّ القاآن قد رغب فى أن يزوّج بنته بابنك وأن تكون الطاعة له كالملوك السلجوقية ويرحل عنك فخرج المستعصم فى أعيان دولته وأكابر الوقت ليحضروا العقد فضربت رقاب الجميع وقتلوا الخليفة رفسوه حتى مات ودخلت التتار بغداد واقتسموها وكل أخذ ناحية وبقى السيف يعمل أربعة وثلاثين يوما وقلّ من سلم فبلغت القتلى ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة فعند ذلك نادوا بالامان ثم أمر هولاكو بضرب عنق ياجونوس لكونه كاتب الخليفة وأرسل الى صاحب الشام يهدّده ان لم يخرب أسوار بلاده كذا فى دول الاسلام* وفى تاريخ الجمالى يوسف سبب قتل المستعصم بالله انه لما ولى الخلافة لم يستوثق أمره لانه كان قليل المعرفة بتدبير الملك نازل الهمة مهملا للامور المهمة محبا لجمع المال أهمل أمر هولاكو وانقاد الى وزيره ابن العلقمى حتى كان فى ذلك هلاكه وهلاك الرعية فانّ وزيره ابن العلقمى الرافضى كان كتب كتابا الى هولاكو ملك التتار فى الدشت انك تحضر الى بغداد وانا أسلمها لك وكان قد داحل قلب اللعين الكفر فكتب هولاكو انّ عساكر بغداد كثيرة فان كنت صادقا فيما قلته وداخلا فى طاعتنا فرّق عساكر بغداد ونحن نحضر* فلما وصل كتابه الى الوزير دخل الى المستعصم وقال ان جندك كثيرة وعليك كلفة كبيرة والعدوّ قد رجع

<<  <  ج: ص:  >  >>