للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرين وثلاثمائة، وحضرت جنازته عشاء، ودفن في مقابر باب الكوفة وصلّى عليه البربهاري [١] . وكان يخضب بالوسمة.

قال [٢] : وكان من طهارة الأخلاق وحسن المجالسة والصّدق فيما يرويه على حال ما شاهدت عليها أحدا ممن لقيناه. وكان يقول: جلست إلى هذه الأسطوانة مذ خمسون- يعني محلّته بجامع المدينة- وكان حسن الحفظ للقرآن، أول ما يبتدىء به في مجلسه بمسجد الأنباريين بالغدوات إلى أن يقرىء القرآن على قراءة عاصم ثم الكتب بعده. وكان فقيها عالما بمذهب داود الأصبهاني رأسا فيه يسلّم له ذلك جميع أصحابه، وكان مسندا في الحديث من أهل طبقته، ثقة صدوقا لا يتعلّق عليه بشيء من سائر ما رووه، وكان حسن المجالسة للخلفاء والوزراء، متقن الحفظ للسير وأيام الناس وتواريخ الزمان ووفاة العلماء، وكانت له مروءة وفتوة وظرف. ولقد هجم علينا يوما ونحن في بستان كان له بالزبيدية [٣] في سنة عشرين أو إحدى وعشرين وثلاثمائة فرآنا على حال تبذّل، فانقبضت وذهبت أعتذر إليه فقال: في التعاقل على النبيذ سخف، ثم أنشدنا لنفسه:

لنا صديق غير عالي الهمم ... يحصي على القوم سقاط الكلم

ما استمتع الناس بشيء كما ... يستمتع الناس بحسم الحشم

قال المرزباني [٤] : وكان يقول من الشعر المقطعات في الغزل وما يجري مجراها كما يقول المتأدبون، وسنورد من ذلك فيما بعد إن شاء الله حسب الكفاية.

وكان بين أبي عبد الله نفطويه وبين محمد بن داود الأصبهاني مودة أكيدة وتصاف تام، وكان ابن داود يهوى أبا الحسين محمد بن جامع الصيدلاني هوى أفضى به إلى التلف، قال ابن عرفة نفطويه: فدخلت عليه في مرضه الذي مات فيه فقلت: يا


[١] البربهاري: هو أبو محمد الحسن بن علي بن خلف، شيخ الحنابلة بالعراق، توفي سنة ٣٢٩ (عبر الذهبي ٢: ٢١٦- ٢١٧) .
[٢] تجد هذا النص عند القفطي ١: ١٨١.
[٣] الزبيدية: محلة ببغداد.
[٤] نقله القفطي ١: ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>