للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(صاحب الترجمة) فظهر عليه صاعد وجعل لا يجري في المجلس كلمة إلا أنشد عليها شعرا شاهدا، وأتى بحكاية تناسبها، فأعجب المنصور فقربه وقدمه.

وكان يوما [١] بمجلس المنصور أيضا فأحضرت إليه وردة في غير أوانها لم يكمل فتح ورقها فقال فيها صاعد مرتجلا:

أتتك أبا عامر وردة ... يذكّرك المسك أنفاسها

كعذراء أبصرها مبصر ... فغطّت بأكمامها راسها

فسرّ بذلك المنصور، وكان ابن العريف حاضرا فحسده وجرى إلى مناقضته وقال للمنصور: هذان البيتان لغيره، وقد أنشدنيهما بعض البغداديين لنفسه بمصر، وهما عندي على ظهر كتاب بخطه، فقال له المنصور: أرنيه، فخرج ابن العريف وركب وحرّك دابته حتى أتى مجلس ابن بدر، وكان أحسن أهل زمانه بديهة، فوصف له ما جرى، فقال ابن بدر هذه الأبيات، ودسّ فيها بيتي صاعد:

غدوت إلى قصر عبّاسة ... وقد جدّل النوم حرّاسها

فألفيتها وهي في خدرها ... وقد صدع السكر أنّاسها

فقالت أسرت على هجعة ... فقلت بلى فرمت كاسها

ومدّت يديها إلى وردة ... يحاكي لك الطيب أنفاسها

كعذراء أبصرها مبصر ... فغطّت بأكمامها راسها

وقالت خف الله لا تفضحنّ ... في ابنة عمّك عباسها

فوليت عنها على خجلة ... وما خنت ناسي ولا ناسها

فطار ابن العريف بها وعلّقها على ظهر كتاب بخطّ مصري ومداد أشقر، ودخل بها على المنصور، فلما رآها اشتد غيظه وقال للحاضرين: غدا أمتحنه، فإن فضحه الامتحان أخرجته من البلاد، ولم يبق في موضع لي عليه سلطان، فلما أصبح أرسل


[١] الخبر في الجذوة والذخيرة ٤/١: ١٧ ونفح الطيب ٣: ٧٩ وبدائع البدائه: ٢٢٩ والريحان والريعان ١: ١٥٤ والشريشي ١: ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>