للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رؤوسنا الطير [١] ، فقام رجل من الناس فقال له: أبيت اللعن أعطني فإني محتاج، فتأمّله طويلا ثم أمر به فأدني حتى قعد بين يديه، ثم دعا بكنانة فاستخرج منها مشاقص فجعل يجأ بها وجهه حتى سمعنا قرع العظام، وخضب بالدم، ثم أمر به فنحّي. ومكثنا مليا فنهض رجل آخر فقال له: أبيت اللعن أعطني، فتأمله ساعة ثم قال: أعطوه ألف درهم، فأخذها وانصرف، ثم التفت النعمان عن يمينه ويساره وخلفه فقال: ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الأكمة، أترون دمه سائلا حتى يجري في هذا الوادي؟ فقلنا له: أنت أبيت اللعن أعلى برأيك، فدعا برجل على هذه الصفة فأمر به فذبح، ثم قال: ألا تسألوني عما صنعت؟ فقلنا: ومن يسألك عن أمرك وما تصنع؟ فقال: أما الأول فإني خرجت مع أبي نتصيّد فمررنا به وهو بفناء بابه وبين يديه عسّ من لبن، فتناولته لأشرب منه فثار إليّ فهراق الإناء، فملأ وجهي وصدري، فأعطيت الله عهدا لئن أمكنني منه لأخضبنّ لحيته وصدره من دم وجهه، وأما الآخر فكانت له عندي يد فكافأته بها، وأما الذي ذبحته فإن عينا لي بالشام كتب إليّ أنّ جبلة بن الأيهم بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليقتلك [٢] فطلبته فلم أقدر عليه حتى كان اليوم، فرأيته بين القوم فأخذته.

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرّب أبا زبيد ويدني مجلسه لمعرفته بسير من أدركهم من ملوك العرب والعجم، فدخل عليه يوما وعنده المهاجرون والأنصار، فتذاكروا مآثر العرب وأخبارها وأشعارها، فالتفت إليه عثمان وقال له: يا أخا تبع المسيح أسمعنا بعض قولك، فقد أنبئت أنك تجيد الشعر، فأنشده قصيدته التي أولها [٣] :

من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أنّ الفؤاد إليهم شيّق ولع

ووصف فيها الأسد، فقال له عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت، والله إني


[١] زاد في الأغاني: وكأنه باز.
[٢] الأغاني: ليغتالك.
[٣] طبقات ابن سلام: ٥٩٣- ٥٩٩ والأغاني ١١٨- ١٢٢ وشعر أبي زبيد: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>