للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ست النظر» ثم افترقوا بعد هزيع من الليل، فقام عمي حمدان إلى فراش قد هيّأه له الرئيس أبو الفتح ابن أبي حصينة في قبة له، وانتبه في أثناء الليل وأراد الخروج من القبة، فسقط من أعلاها إلى ناحية الدار، فعلم به الرئيس نعمان فجاءه في طائفة من أصحابه، وحملوه إلى فراشه. وأمر نعمان أصحابه ألا يخبره أحد بما جرى، ونام ساعة وهم حوله، ثم دعوا المغنية، فجلست عند رأسه تغني فانتبه من نومه، وجلس واستطاب وقته، فسألوه أن ينظم في ذلك شعرا، فعمل للوقت:

أيا صاح قد صاح ديك الصباح ... وهبّت تغنيك ستّ النّظر

بلفظ هو السحر سحر الحلال ... ووجه حوى الحسن مثل القمر

وتشدوك قم وتنبّه لها ... وباكر صبوحك قبل البكر

أفق كم تنام وهات المدام ... ورقرق لنا الجام وقّيت شر

أما تنظر الفجر خلف الظلام ... محثا وأعلامه قد نشر

وقد سامحتك صروف الزمان ... وكفّت أكفّ القضا والقدر

فما العذر في ترك شرب الشّمول ... ونهب الأباريق كرا وفر

فشرب الشمول بخفق الطبول ... ونفخ الزماري وقرع الوتر

فما رونق الدهر باق عليك ... فخذ ما صفا واجتنب ما كدر

قال: فبقي مدة لا يعلم ما جرى إلى أن قلت له يوما: ما تقول في من سقط من هذا المكان؟ وأشرت إلى (المكان) الذي سقط منه إلى أسفل فقال: ما يجمع الله به شملا. فقلت له: أتذكر ليلة «أيا صاح قد صاح ديك الصباح» ؟ فقال: وما جرى؟ فقصصت عليه القصة. فقال: لهذا تؤلمني أعضائي. ثم وقع مريضا لوقته وبقي مطروحا على الفراش شهرين.

واتفق له الخروج إلى معراثا الأثارب، وكانت حينئذ بيد الإفرنج، فمرض صاحب الاثارب منويل، وهو ابن أخت صاحب أنطاكية، فدخل إليه حمدان فعالجه إلى أن عوفي، فمنّاه فطلب منه قرية فأعطاه معربونية فسكن بها مدة ثلاثين سنة، فسيّر إليه أبو الحسن ابن أبي جرادة من يعتبه على مقامه بين الفرنج، وسوء اختياره في المكوث بينهم، فكتب إليه:

<<  <  ج: ص:  >  >>