للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهرستا، وسمّوها «رسائل إخوان الصفا» وكتموا أسماءهم، ونثروها في الوراقين ووهبوها للناس، وادّعوا أنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء وجه الله، وطلب رضوانه، وحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية والأمثال الشرعية، والحروف المحتملة، والطرق المموهة، وحيث اعتبرت هذه فوجدت متنوقّة من كل فن نتفا بلا إشباع ولا كفاية، وفيها خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات، وقد غرق الصواب فيها لغلبة الخطأ عليها، وحملت إلى الشيخ أبي سليمان محمد بن بهرام المنطقي السجستاني، ونظر فيها أياما وتبحرها طويلا، وقال: تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا، وحاموا وما وردوا، وغنّوا وما أطربوا، ظنوا ما لم يكن ولا يكون ولا يستطاع، ظنّوا أنهم يدسّون الفلسفة التي هي علم النجوم والأفلاك والمقادير والمجسطي وآثار الطبيعة والموسيقا الذي هو معرفة النغم والإيقاعات والنقرات والأوزان، والمنطق الذي هو اعتبار الأقوال بالإضافات والكميات والكيفيات في الشريعة. وأن يطفئوا الشريعة بالفلسفة، وهذا مرام دونه حدد، قد تورّك على هذا قبل هؤلاء قوم كانوا أحدّ أنيابا وأحضر أسبابا، وأعظم أقدارا، فلم يتمّ لهم ما أرادوه، ولا بلغوا ما أمّلوه، وحصلوا على لوثات قبيحة، وعواقب مخزية، إلى كلام طويل من هذا الباب.

قال زيد بن رفاعة الهاشمي: سمعت أبا بكر الشبلي ينشد في جامع المدينة والناس حوله:

يقول خليلي كيف صبرك عنهم ... فقلت وهل صبر فيسأل عن كيف

بقلبي هوى أذكى من النار حرّه ... وأحلى من التقوى وأمضى من السيف

ومما رواه عن ابن عباس، رضي الله عنه، في قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً

قال: أي شيء أضعف من الإنسان؟ ينطق بلحم، ويبصر بشحم، ويسمع بعظم. أي شيء أضعف من الإنسان؟ تبطره النعمة، وترضيه اللقمة، وتصرعه النقمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>