للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قد حج سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، ثم تأهب للخروج ثانيا سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، واستصحب شيئا من مسموعاته من أبي حامد ابن الشرقي وأقرانه، وحدث بنيسابور والدامغان والري وهمذان وبغداد والكوفة ومكة. ودخل مكة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وقد حكم المنجمون أنه يموت وهو ابن أربع وسبعين فدعا بمكة في المشاعر الشريفة يقول: اللهم إن كنت قابضي بعد سنتين فاقبضني في حرمك، فاستجاب الله دعاءه وتوفي بمكة في آخر أيام الموسم. وحكي أنه نام على فراشه في الليلة التي مات فيها، وأن كلّ من كان في رحله ناموا وأصبحوا فوجدوه ميتا مستقبل القبلة، فغسلوه وكفنوه، وصلّى عليه أكثر من مائة ألف رجل، ودفن بالبطحاء بين سفيان بن عيينة والفضيل بن عياض «١» :

قال الحاكم: قصدني أبو محمد الميكالي، وأنا بباب جنيد في دار لي جديدة، فقال: بلغني أنك هممت ببيع دارك بباب عزيز، فقلت: هو كما بلغ الشيخ الرئيس.

فقال: إني قصدتك لأمنعك من هذا، وأبيّن لك عوار ما هممت به: دار كان فيها سلفك، ثم ولدت فيها، ومجلس ختمت في محرابه ونسب إليك، ألم تسمع أبيات ابن الرومي «٢» :

ولي وطن آليت الا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا

عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه ... لها وطن إن فات غودرت هالكا

وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكرت أوطانهم ذكّرتهم ... عهود الصبا فيها فحنّوا لذلكا

ثم لم يفارقني، رحمه الله، حتى أخذ عهدي «٣» على أن أرجع إلى الدار القديمة وأبيع تلك الحديثة، رضي الله عن ذلك الشيخ، وجزاه عن دينه وشفقته على إخوانه خيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>