للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرّوا بنا إلى ظاهر البصرة، فخرجنا حتى مررنا بشيخ معه أعنز يرعاهنّ، وعليه جبة صوف، فقال له: يا قريب فقال: لبيك قال: ما فعل الأصمعي ابنك؟ فقال: هو عندكم بالبصرة؛ فقال: هذا أبو الأصمعي، لا يقول غدا انه من بني هاشم.

[[٧٠٣] عطاء بن يعقوب بن ناكل:]

أحد أعيان فضلاء غزنة، وهو من أولاد التنّاء، وكان ابن عمه الكوتوال «١» ، وهو مستحفظ القلعة، يلقب بهذا، وهو بالهندية، وإليه مصادر الأمور ومواردها عند غيبة سلطان البلاد.

قال صاحب «سر السرور» «٢» : إذا اجتمع الأفاضل في مضمار التفاضل، واتزنوا بمعيار التساجل، كان هذا الشيخ هو الأبعد إحضارا، والأرجح مقدارا، أقرّ له بالتقديم رجالات الآفاق، واذعن له بالترجيح فضلاء خراسان والعراق، حتى أشرق شمسا وهم ما بين كوكب وشهاب، وأعذب بحرا وهم ما بين نهر وسراب؛ يجلو عليه الفضل نفسه في معرض الإحسان، ويناغيه أهل الفضل بلسان القصور والاذعان، وتشرئبّ إلى قلائده أجياد الأنام، وتتباهى برسائله مواقع الأقلام؛ ولم يزل منذ شبّ إلى أن اشتعل الشيب برأسه، ورسب قذى العمر في آخر كأسه، بين اقتباس يصطاد به وحوش الشوارد، وإقباس ينثر منه لآلىء القلائد، وإبداع صنعة في الشعر ما جمّش الأديب بأظرف من بدائعها. واختراع نادرة ما أتحف الفضل بأطرف من روائعها. وقد سافر كلامه من غزنة إلى العراق، ومن ثمّ إلى سائر الآفاق، حتى إني حدّثت أن ديوان شعره بمصر يشترى بمائين من الحمر، الراقصات على الظفر. والمشهور أن ديوان شعره العربي والفارسي يشترى بخراسان بأوفر الأثمان، وكيف لا وما من كلمة من كلماته إلا وحقّها أن تملك بالأنفس وتقتنى، وتباع بالأنفس وتشترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>