للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«حرمت مناي منك [١] إن كان ذا الذي ... تقوّله الواشون عني كما قالوا»

وهذا البيت الأخير تضمين من أبيات لها قصة أنا ذاكرها: ذكر أبو الفرج علي بن الحسين في كتابه [٢] قال: كان عبد الله بن محمد القاضي المعروف بالخلنجي ابن أخت علويه المغني، وكان تيّاها صلفا، فتقلّد في خلافة الأمين قضاء الشرقية، وكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين الجامع فيستند إليها بجميع بدنه ولا يتحرك، فإذا تقدّم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده، وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود لحاله، وعمد بعض المجّان إلى رقعة من الرقاع التي تكتب فيها الدعاوى فألصقها في موضع دنيّته بالدّبق، فلما جلس الخلنجي إلى السارية وتمكّن منها وتقدم إليه الخصوم وأقبل إليهم بجميع جسده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الدنيّة موضعها مصلوبة ملتصقة، فقام الخلنجي مغضبا وعلم أنها حيلة عليه وقعت، فغطّى رأسه بطيلسانه وتركها مكانها حتى جاء بعض أصحابه فأخذها، فقال بعض شعراء عصره:

إن الخلنجيّ من تتايهه ... أثقل باد لنا بطلعته

ما تيه ذي نخوة [٣] مناسبه ... بين أخاوينه وقصعته

يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفا من الجور في قضيته

لو لم تدبّقه كفّ قانصه ... لطار فيها على رعيته

واشتهرت الأبيات والقصة ببغداد، وعمل لها علويه حكاية أعطاها الزفّانين والمخنثين فأخرجوه فيها، وكان علويه يعاديه لمنازعة كانت بينهما ففضحه، واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد، وسأل أن يولّى بعض الكور البعيدة، فولّي جند دمشق أو حمص، فلما ولي المأمون الخلافة غناه علويه بشعر الخلنجي وهو:

برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... تقوّله الواشون عنّي كما قالوا


[١] الزبيدي: سقيت نجيع السمّ.
[٢] انظر الأغاني ١١: ٣١٨- ٣٢٠ وبعضه في كتاب بغداد: ١٥٢.
[٣] الأغاني: ما إن لذي نخوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>