للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدفع إليّ صورة عنقاء فضة مذهبة كانت بين يديه فيها طيب وقال: خذ هذه الطرفة فإنها أطرف من طرفتك.

وقرأت في «المفاوضة» : حدثني الوزير أبو العباس عيسى بن ماسرجيس قال:

كنت أخلف الوزارة ببغداد مشاركا لأبي الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان فدعاني يوما إلى داره ببركة زلزل وتجمل واحتشد، ودعا بكلّ من يشار إليه بحذق في الغناء من رجال وإماء مثل عليّة الخاقانية وغيرها من نظرائها في الوقت، وحضر القاضي أبو بكر ابن الأزرق نسيبه وانتقلنا من الطعام إلى مجلس الشراب فلما دارت الكأس أدوارا قال لي: ما أراك تحلف على القاضي ليشرب معنا ويساعدنا، وإن كان لا يشرب إلا قارصا، قلت: أنا غريب ومحتشم له وأمره بك أمسّ وأنت به أخصّ.

قال: فاستدعى غلاما وقال له: امض إلى إسحاق الواسطي واستدع منه قارصا وتولّ خدمة القاضي أيده الله، فمضى الغلام وغاب ساعة ثم أتى ومعه خماسية فيها من الشراب الصريفيني الذي بين أيدينا إلا أن على رأسها كاغدا وختما وسطرا فيه مكتوب «قارص من دكان إسحاق الواسطي» قال فتأمله القاضي وأبصر الخط والختم ثم أمر فسقي رطلا، فلما شربه واستوفاه قال للغلام: ويلك ما هذا؟ قال: يا سيدي هذا قارص قال: لا بل والله الخالص، ثم ثنّى له وثلّث، فاضطرب أمر القاضي علينا وأنشأ يقول:

ألا فاسقني الصهباء من حلب الكرم ... ولا تسقني خمرا بعلمك أو علمي

أليست لها أسماء شتّى كثيرة ... ألا فاسقنيها واكن عن ذلك الإسم

فكان كلما أتاه بالقدح سأله عنه فيقول تارة مدام وتارة خندريس وهو يشرب، فإذا قال له خمر حرد واستخف به، فيتوارى بالقدح ساعة ثم يعيده ويقول: هذه قهوة فيشربه، فلم يشرب القاضي إلا بمقدار ستة أسماء أو سبعة من أسماء الخمر حتى تبطّح في المجلس ولفّ في طيلسان أزرق عليه وحمل إلى داره.

<<  <  ج: ص:  >  >>