للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان أبي بين يدي المنتصر وهو أمير وأحمد بن الخصيب كاتب المنتصر [فدخل الحاجب فقال: أيها الأمير، هذا الحسن بن سهل بالباب، فالتفت إليه أحمد] «١» فقال: دعنا من الرسوم الداثرة والعظام البالية، فوثب عمر بن بكير فقال:

أيها الأمير إن للحسن بن سهل عليّ نعما عظاما وله في عنقي منن جمة، فقال: ما هي يا عمر؟ قال: ملأ يا أيها الأمير منزلي ذهبا وفضة، وأدنى مجلسي حتى زال عن مجلسه، وخلع عليّ فألحقني برؤساء أهل العلم كأبي عبيدة والأصمعي ووهب بن جرير وغيرهم، وقد أقدرني الله بالأمير على مكافاته، وهذا من أوقاته، فإن رأى الأمير أن يسهل إذنه ويجعل ذلك على يدي وحبوة لي وذريعة إلى مكافاة الحسن، فعل.

فقال يا أبا حفص بارك الله عليك فمثلك يستودع المعروف، وعندك يتم البر، ومثلك يرغب الأشراف في اتخاذ الصنائع، وقد جعلت إذن الحسن إليك فأدخله في أيّ وقت حضر من ليل أو نهار، ولا سبيل لأحد من الحجاب عليه. فقبل أبي البساط، ووثب إلى الباب فأدخل الحسن وأتكأه على يده، فلما سلم على المنتصر أمره بالجلوس فجلس وقال له: قد صيرت إذنك إلى أبي حفص، ورفعت يد الحاجب عنك، فاحضر إذا شئت من غدوّ أو رواح، وارفع حوائجك، وتكلّم بكل ما في صدرك؛ فقال الحسن: أيها الأمير والله ما أحضر طلبا للدنيا ولا رغبة فيها ولا حصرا عليها، ولكن عبد يشتاق إلى سادته، وبلقائهم يشتد ظهره وينبسط أمله وتتجدد نعم الله عنده، وما أحضر لغير ذلك، وأحمد بن الخصيب يتقد غيظا «٢» ، فقال له المنتصر:

فاحضر الآن أيّ وقت شئت، فأكبّ الحسن على البساط فقبله شكرا ونهض. قال أبي: ونهضت معه، فلما بعدنا عن عين المنتصر بلغني أن المنتصر قال: هكذا فليكن الشاكرون، وعلى أمثال هذا فلينعم المنعمون. وقال الحسن لعمر: يا أبا حفص، والله ما أدري بأيّ لسان أثني عليك، فقال: سبحان الله وأنا أولى بالشكر والثناء عليك والدعاء لك، خولتني الغنى، وألبستني النعمى في الزمان الصعب وفي الحال التي كان يجفوني فيها الحميم، فجزاك الله عنّي وعن ولدي أفضل الجزاء؛

<<  <  ج: ص:  >  >>