للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتب إليه الجماز:

يا فتى نفسه إلى ال ... كفر بالله تائقه

لك في الفضل والتزه ... د والنسك سابقه

ومن هجاء الجماز للجاحظ قوله:

قال عمرو مفاخرا ... نحن قوم من العرب

قلت في طاعة لرب ... ك أبليت ذا النسب

وحدث أبو العيناء محمد بن القاسم قال: كان لي صديق فجاءني يوما فقال لي: أريد الخروج إلى فلان العامل وأحببت أن يكون معي إليه وسيلة، وقد سألت من صديقه فقيل لي أبو عثمان الجاحظ، وهو صديقك، وأحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية، قال: فصرت إلى الجاحظ فقلت له: جئتك مسلما وقاضيا للحقّ، ولي حاجة لبعض أصدقائي، وهي كذا وكذا، قال: لا تشغلنا الساعة عن المحادثة وتعرّف أخبارنا، إذا كان في غد وجهت إليك بالكتاب، فلما كان من غد وجّه إليّ بالكتاب فقلت لابني: وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته، فقال لي: إن أبا عثمان بعيد الغور فينبغي أن نفضه وننظر ما فيه، ففعل فإذا في الكتاب: «هذا الكتاب مع من لا أعرفه، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذممك» فلما قرأت الكتاب مضيت إلى الجاحظ من فوري، فقال: يا أبا عبد الله، قد علمت أنك أنكرت ما في الكتاب، فقلت: أو ليس موضع نكرة؟

فقال: لا، هذه علامة بيني وبين الرجل في من أعتني به، فقلت: لا إله إلا الله، ما رأيت أحدا [أعرف] بطبعك ولا [بما] جبلت عليه من هذا الرجل، علمت أنه لما قرأ الكتاب قال: أمّ الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة، وأم من يسأله حاجة، فقلت له: ما هذا تشتم صديقنا؟! فقال: هذه علامتي فيمن أشكره، فضحك الجاحظ وحدّث الفتح بن خاقان وحدث الفتح المتوكل، فذلك كان سبب اتصالي به وإحضاري إلى مجلسه.

وحدث عبد الرحمن بن محمد الكاتب قال: كان الجاحظ يتقلّد خلافة إبراهيم بن العباس الصولي على ديوان الرسائل، فلما جاء إلى الديوان جاءه أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>