للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمسامرته ويرتاح إلى محادثته إلى أن دنا من الري، فلما شارفها سمع صوت عندليب يغرّد بأحسن تغريد وأشجى صوت، فأعجب عبد الله بصوته والتفت إلى عوف بن محلم فقال له: يا ابن محلم هل سمعت قطّ أشجى من هذا الصوت وأطرب منه؟

فقال: لا والله أيها الأمير وإنه لحسن الصوت شجيّ النغمة مطرب التغريد، فقال عبد الله: قاتل الله أبا كبير حيث يقول:

ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح

أفق لا تنح من غير شيء فإنني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح

ولوعا فشطت غربة دار زينب ... فها أنا أبكي والفؤاد قريح

فقال عوف: أحسن والله أبو كبير وأجاد، ثم قال: أصلح الله الأمير «١» إنه كان في الهذليين مائة وثلاثون شاعرا ما فيهم إلا مفلق، وما كان فيهم مثل أبي كبير، فإنه كان يبدع في شعره ويفهم آخر قوله أوله، وما شيء أبلغ في الشعر من الابداع فيه، قال عبد الله: أقسمت عليك إلا أجزت شعر أبي كبير، قال عوف: أصلح الله الأمير قد كبر سني وفني ذهني وأنكرت كل ما كنت أعرفه، قال عبد الله: سألتك بحقّ طاهر إلا فعلت، وكان لا يسأل بحقّ طاهر شيئا إلا ابتدر إليه لما كان يوجبه له، فلما سمع عوف ذلك أنشأ يقول:

أفي كلّ عام غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فتريح

لقد طلّح البين المشتّ ركائبي ... فهل أرينّ البين وهو طليح

وأرقني بالريّ نوح حمامة ... فنحت وذو البثّ الغريب ينوح

على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح

وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح

ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح

عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فتلقى عصا التطواف وهي طريح

فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وعدم الغنى بالمقترين طروح

<<  <  ج: ص:  >  >>