للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه وسلم، فأرتج عليه وانقطع وبهت، فلما رأى ذلك منذر بن سعيد، وكان حاضرا، قام من ذاته، ووصل افتتاح أبي علي بكلام بهر العقول، فخرج الناس يتحدثون ببلاغته وحسن بيانه وثبات جنانه، وكان الناصر أشدّهم تعجبا وإعجابا به، فسأل عنه ابنه الحكم، ولم يكن يعرفه، فقال له: هذا منذر بن سعيد البلوطي، فقال: والله لقد أحسن ما شاء، ثم قرّبه وولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء، ثم ولاه قضاء الجماعة بقرطبة. ولما توفي الناصر وولي ابنه الحكم أقرّه على القضاء، واستعفى غير مرة فما أعفاه. وكان وقورا صليبا في الحكم مقدما على إقامة العدل والحق وإزهاق الجور والباطل آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، له كتب في السنة والورع والردّ على أهل الأهواء والبدع. ومن مصنفاته المتداولة: أحكام القرآن. وكتاب الناسخ والمنسوخ. وله رسائل وخطب مجموعة وأشعار متفرقة مطبوعة. ومن خطبه الخطبة التي ألقاها بحضرة الناصر في الاحتفال الذي تقدم ذكره ونصّها «١» :

أما بعد حمد الله والثناء عليه والتعداد لآلائه والشكر لنعمائه، والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه، فإن لكل حادثة مقاما، ولكل مقام مقال، وليس بعد الحقّ الا الضلال؛ وإني قد قمت في مقام كريم، بين يدي ملك عظيم، فاصغوا إليّ معشر الملأ بأسماعكم، وافقهوا عني بأفئدتكم. إن من الحقّ أن يقال للمحقّ صدقت، وللمبطل كذبت، وإن الجليل تعالى في سمائه، وتقدس بصفاته وأسمائه، أمر كليمه موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه، أن يذكّر قومه بأيام الله جلّ وعز عندهم، وفيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وإني أذكركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم، وأمّنت سربكم، ورفعت قوتكم؛ كنتم قليلا فكثّركم، ومستضعفين فقوّاكم، ومستذلين فنصركم، ولّاه الله رعايتكم؛ وأسند إليه إمامتكم، أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق، حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية

<<  <  ج: ص:  >  >>