للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن بن محمد الأنباري، ودرّس الأدب في النظامية بعد شيخه التبريزي، واختص بإمامة المقتفي لأمر الله، وكان من أهل السنّة، طويل الصمت لا يقول شيئا إلا بعد التحقيق، ويكثر من قول لا أدري، وكان مليح الخطّ يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة به، وكان يختار في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة. قال ابن الأنباري «١» : كان يذهب إلى أن الاسم بعد لولا يرتفع بها على ما يذهب إليه الكوفيون، وإلى أن الألف واللام في نعم الرجل للعهد، خلاف ما ذهب إليه الجماعة من أنها للجنس، قال: وحضرت حلقته يوما وهو يقرأ عليه «كتاب الجمهرة» لابن دريد، وقد حكى عن بعض النحويين أنه قال: أصل ليس لا أيس، فقلت: هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية، فكأن الشيخ أنكر عليّ ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئا، فلما كان بعد أيام وقد حضرنا الدرس على العادة قال: أين ذلك الذي أنكر أن يكون أصل ليس لا أيس، أليس لا تكون بمعنى ليس؟ فقلت: ولم إذا كانت لا بمعنى ليس يكون أصل ليس لا أيس فلم يذكر شيئا وسكت. قال: وكان الشيخ رحمه الله في اللغة أمثل منه في النحو.

وحكى ولد الجواليقي أبو محمد إسماعيل قال «٢» : كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرؤون عليه، فوقف عليه شاب وقال: يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما وأريد أن تسمعهما مني وتعرّفني معناهما فقال: قل، فأنشد:

وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصليني به النارا

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

قال إسماعيل: فلما سمعهما والدي قال: يا بني هذا معنى من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الأدب، فانصرف الشاب من غير فائدة واستحيا والدي من أن يسأل عن شيء ليس عنده منه علم، فآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر، فنظر في ذلك ثم جلس للناس. ومعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>