للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابي- أطال الله بقاء سيّدي ما طلع صبير، ورسا ثبير [١]- من معرّة النّعمان، ولكلّ نبأ مستقرّ. وردتها بعد سآمة، ورود كعب بن مامة [٢] ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، وله الحمد ممزوجا به الدّمع، مستكّا له من الوجد السّمع. وصلى الله على سيدنا محمد وعترته، صلاة يثقل بها لساني حزنا، وترجح في المحشر قدرا ووزنا. ثم أذكر قصصي بعد ذلك:

ألا يا ليتني والمرء ميت ... وما تغني من الحدثان ليت

...

يا ليت عمرا- وليت ضلّة سفه ... لم يغز فهما ولم يحلل بواديها

...

لو أنّ صدور الأمر يبدون للفتى ... كأعقابه لم تلفه يتندّم

رحمك الله من ساكنة رمس، أصبحت حياتك كأمس.

فإن ينقطع منك الرّجاء فإنّه ... سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر

لا آمل بعدها خيرا، ولا أزيد في ... المحن إلّا إيضاعا وسيرا.

صلّى الإله عليك من مفقودة ... إذ لا يلائمك المكان البلقع [٣]

أنّى حللت وكنت جدّ فروقة ... بلدا يمرّ به الشّجاع فيفزع

لا بارك الله في الدّنيا إذا انقطعت ... أسباب دنياك من أسباب دنيانا [٤]

يا سلوة الأيام موعدك الحشر. موعد والله بعيد، لا سلوة حتى يؤوب عنزيّ القرظة، ويرجع النعمان إلى الحيرة، ويبعث نبيّ من مكّة [٥] . لو لم تكن الآجال ذبرا [٦] ، لوجب أن أقتل بها صبرا. على أنّي والله قد أعلمتها أنّي مرتحل، وأنّ عزمي


[١] الصبير: السحاب، وثبير: اسم جبل.
[٢] قصة كعب بن مامة وإيثاره صاحبه بالماء وموته عطشا، مشهورة، وتتردد في كتب الأمثال.
[٣] البيتان لشاعر اسمه مويلك المزموم، انظر ديوان شعر الخوارج: ١٩٤ وفيه تخريج.
[٤] البيت لجرير في ديوانه: ١٦٢.
[٥] هذه أمثلة على الاستحالة، والعنزي رجل ذهب يجني القرظ فلم يأب، وفيه يقول الشاعر:
فرجّي الخير وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العنزي آبا
[٦] الذبر- بالذال وبالزاي- الكتابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>