للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك جادّ مزمع، فأذنت فيه، وأحسبها ظنّته مذقة الشارب، ووميض الخالب [١] ، ولكلّ أجل كتاب. وحزني لفقدها كنعيم أهل الجنّة، كلما نفد جدّد؛ وشرحه إملال سامع، وإفناء زمان. والله يجعلها وإيّاي فداءي مولاي من كلّ رزيّة، ويصيّره المخصوص عنّي بالمزية [٢] . وربّ سامع خبري، لم يسمع عذري.

والمعاذر مكاذب، غير أنّ الرّائد لا يكذب أهله [٣] فإن قال أدام الله عزّه: يأبى الحقين العذرة، وإذا سمعت بسرى القين فآعلم أنّه مصبح، وفي النّوى يكذبك الصادق [٤]- فوالذي أخرج الجذع من الجريمة، والنّار من الوثيمة [٥] ، ما نكّبت حلب في الإبداء والانكفاء، إلّا كما تنكّب خريدة المحار، لما دونها من أهوال البحار. وأنا كما علم- أدام الله تأييده- وحشيّ الغريزة، إنسيّ الولادة. وكلّ أزبّ نفور [٦] .

عوى الذّئب فاستأنست بالذّئب إذ عوى ... وصوّت إنسان فكدت أطير [٧]

يرى الوحشة الانس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أمّ النّجوم الشّوابك [٨]

يودّ بجدع الأنف لو أنّ ظهرها ... من النّاس أعرى من سراة أديم

لو وردت حلب لتعيّنت عليّ حقوق إن قضيتها نصبت، وإن تخلّفت عنها عوتبت وقصبت [٩] . ومن لم يهبط نعمان الأراك، لم يعتب عليه في إهداء المسواك. ويطلب من راكب هجر الفرض، ومن مسافر البحرين الحساس [١٠] . وشوقي إلى مشاهدته


[١] هذان مثلان على السرعة، فمذقة الشارب: حسوه الماء خطفا، والخالب: البرق.
[٢] المزية: الفضيلة.
[٣] هذه أمثال انظر جمهرة العسكري ١: ٤٧٤، ٤٩٣؛ ١: ٢٩؛ ١: ٤٧٤.
[٤] وهذه أمثال أيضا، كما في الجمهرة ١: ٢٨، ١: ٢٣، ٢: ٣٥ (عند النوى) .
[٥] الجريمة: النواة، والوثيمة: الحجارة المسكورة، والقول لأوس بن حارثة: «لا والذي أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة» .
[٦] الأزب: الكثير الشعر، وهذا مثل، انظر الجمهرة ٢: ١٥٤.
[٧] البيت للأحيمر السعدي، كما في الشعر والشعراء في ترجمة الأحمير.
[٨] البيت لتأبط شرا، ديوانه: ١٥٦.
[٩] نصبت: تعبت؛ قصبت: ذممت وشتمت.
[١٠] الفرض: نوع من التمر؛ والحساس: سمك صغير يجفف.

<<  <  ج: ص:  >  >>