للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه السورة أيضا فيه. فأقول أيضا إن هذا أيضا من ذلك، وجميعه ظلمات فأين النور؟ وإنما قصدنا أن نعرف أنباء الأمور الصحائح كما قاله.

وأما قوله لما رأى اختلاف الأقوال، وأيقن بنفاد وزوال، سأل ربّه أن يرزقه صوم الدهر، واقتنع بالنبات، فما صحّ لي أن الربّ الذي سأله هو الذي يريد الخير وحده، أو الذي يريد الشر وحده، أو الذي يريدهما جميعا. والصوم فرع على أصل من شرع يأتي به رسول، والرسول يتعلّق بمرسل، وقصتنا في المرسل مشتبهة: يبعث رسولا يريد أن يطاع أم لا يطاع؛ فإن كان يريد أن يطاع فهو مغلوب على إرادته لأن من لا يطيعه أكثر، وإن كان يريد أن لا يطاع فإرساله إياه محال وطلبه حجّة على الضعفاء ليعذبهم. فإن كان موضوع صومه على هذا فلم يفعل شيئا، وإن كان على غيره مما هو أجلى وأوضح فهو الذي أطلبه.

وأما حكايته قول بعض الملحدين واستعاذته بالله أن يكون من المعترضين في قوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى

(النجم: ٥١) الآيات: إن كان البارىء سبحانه خلقهم وهو يعلم أنهم مجرمون، وللتوبة والإنابة يحرمون فكان الأولى به- وهو الرؤوف الرحيم- أن لا يخلقهم لئلا يعذّبهم، وإن كان لا يعلم فهو كأمثالنا ولا يدري ما يكون منه.

وقول الشيخ بعده: معاذ الله أن نقول ذلك بل نسلّم ونتلو الآية: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً

(الكهف: ١٧) فليس الملحد إذا قال: إن السكر حلو والخلّ حامض لا يقبل منه لكونه ملحدا، وقوله يقتضي جوابا.

فإن كان عند الشيخ جواب فهو الذي نبغي، وإلا فما التسليم في هذا الموضع إلا التسليم للملحد لا شيء غيره. وأما إنشاده:

ألمت بالتحية أم عمرو

وما بعده من الأشعار وذمّه من قال ولعنه، فمن الذي اتهمه بشيء من ذلك حاشاه؟ وما الذي أوجب الإذكار بكفريات شعرهم؟ وأما ختمه الرسالة بقوله: إن الذي حثّه على ترك أكل الحيوان أن الذي له في السنة نيف وعشرون دينارا يصير إلى خادمه معظمها ويبقى له أيسرها، فمحمل مؤونة القدر الذي يطعمه لو كان ثقيلا لوجب

<<  <  ج: ص:  >  >>