للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ابن مولود/ وانه قديم حيّ خالق رازق، وان الذي هو ابن نزل من السماء، وتجسم من روح القدس ومن مريم البتول، وصار هو ابنها إلها واحدا ومسمى واحدا وخالقا واحدا ورازقا واحدا، وحبلت به مريم وولدته، وأخذ وصلب وألم «١» ، ومات ودفن، وقام بعد ثلاثة ايام وصعد الى السماء وجلس عن يمين ابيه. فحكى قولهم في ان المسيح هو الله وان الله ثالث ثلاثة.

وهكذا مذهبهم في الحقيقة ولا يكادون يفصحون به، بل يدافعون عن حقيقته ما امكنهم، حتى ان ارباب المقالات واهل العناية به من المصنفين لا يكادون يحصلون مذهبهم، وإنك لتجد النظّارين منهم والمجادلين عنهم اذا سألتهم عن قولهم في المسيح، قالوا: قولنا فيه انه روح الله وكلمته مثل قول المسلمين سواء، او يقول: إن الله واحد. وتجده صلّى الله عليه وسلم وقد حكى حقيقة مذهبهم، ولم يكن من المجادلين ولا من المتنبئين، ولا ممن يقرأ الكتب ويلقى اهلها، ولا من المتكلفين، ولا كانت مكة والحجاز اذ ذاك بلاد فيها شيء من هذا، فانتشر هذا عنه صلّى الله عليه وسلم، وفتش الناس عنه بعد ذلك فوجدوا الأمر كما قال وكما فصل، بعد الجهد وطول الاستقصاء في الطلب والتفتيش. وما اكثر ما تلقى منهم فيقول: ما قلنا في المسيح انه الله، ولا قلنا: إن الله ثالث ثلاثة، ومن حكى هذا عنا فقد أخطأ وكذب، ليعلم ان وقوف محمد صلّى الله عليه وسلم هذا انما هو من قبل الله عز وجل، وان ذلك من آياته.

فإن قيل: فإن قولهم في هذا وأن الله ثلاثة أقانيم جوهر واحد، كقول المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم، وكقولهم في الله أنه حيّ قادر عالم.

قيل له: هذا غلط على النصارى، وليس قولهم في التوحيد من قول


(١) ألم الرجل يألم ألما، فهو ألم. اللسان ١٤: ٢٨٧