للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظنه ماء فغبّ فيه فلما وجد مرارته مجه فسعطوه به وعذبوه يومه وليلته «١» .

فلما كان من الغد وهو يوم الجمعة الذي يسمونه جمعة جشا سألوا فيلاطس ضربه بالسوط فضربه، ثم اخذوه وصلبوه وطعنوه بالرماح وما زال يصيح وهو مصلوب على خشبة يا إلهي لم خذلتني يا الهي لم تركتني، الى ان مات ونزلوا به ودفنوه «٢» . وادعى اليهود والنصارى العلم بذلك والمعاينة والمشاهدة، وانهم قد تلقوا ذلك الجمهور «٣» عن الجمهور، والامم عن الامم، وصار النصارى خاصة يسخرون من المسلمين اذا قالوا ما كان هذا من شيء، ويقولون: أي فائدة لصاحبكم في مكابرة الأمم المجمعة على ذلك، وقد سبقوه وكانوا قبله، وهم اهل هذا الرجل واصحابه، وبينهم ولد، ومعهم نشأ، وقد أجمع على ذلك عدوه من اليهود ووليه من النصارى، فأنكر نبيكم.

وهل هذا إلا كما قيل: رضي الخصمان وأبى القاضي. فنظر اهل العلم في قوله صلّى الله عليه وسلم، فاذا هو قد اخبر انهم قد قالوا ذلك وهم لا يعلمونه، وما معهم علم به ولكنه ظن يظنونه، فاذا الامر كما قال وكما اخبر، والعلم بأن الاعتقاد هو علم او جهل او ظن لا يعلمه إلا من قد صحب المتكلمين والنظارين وانقطع الى صنعة الكلام ومهر فيها وكدّ، وهذا رجل متكلف، فيعلم انه ما علم هذا إلا بالوحي من قبل الله وهذا من آياته العجيبة.


(١) جاء في انجيل يوحنا الاصحاح ١٩: «فلكي يتم الكتاب قال: انا عطشان، وكان اناء مملوآ خلا فجاؤا بسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها الى فمه» .
(٢) جاء في انجيل متى، الاصحاح ٢٧: «نحو التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: ايلي ايلي لما شبقتني، اي الهي الهي لماذا تركتني» . وفي انجيل مرقس الاصحاح ١٥: «صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: الوي الوي لما شبقتني، الذي تفسيره الهي الهي لماذا تركتني» .
(٣) في الاصل: عن الجمهور