للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباب آخر [ما أشار اليه الرسول وهو في حال ضعفه من أن دينه سيغلب على الأديان كلها ويقهر الملوك جميعا.]

وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال حين دعا إلى الله وفي حال وحدته وضعفه:

إن الله أرسلني ووعدني أن يظهر ديني على الأديان كلها، فيكون سلطاني أقهر من سلطان كسرى وقيصر، فأغلب الملوك، ويعلو ملكي وملك أنصاري وأتباعي كل ملك في الأرض. ثم ما رضي بهذا القول حتى جعله كتابا يقرأ وقرآنا مخلدا يتلى، يعرفه العدو والوليّ فقال: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ/ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» «١» وقال أيضا:

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» «٢» فكان كما قال وكما أخبر، فلم يرض أن أظهر دينه بالحجة حتى جعل أهله العالين بالقدرة والظاهرين بالمنعة والقاهرين الملوك والجبابرة بالعز والملكة. ثم ما رضي حتى أورده على وجه يغيظ ويغضب ويبعث على الممانعة والدفع والمغالبة، وعلى وجه يجعل العدوّ على أهبة، بخلاف تدبير حزمة الملوك ودهاة الجبابرة. فأخبر بهذا وديانات العرب قائمة وملوكهم على جزيرة العرب كلها مستولية، وهي جزيرة عظيمة فيها عدة ملوك، كل واحد منهم عظيم الشأن، ثم ديانات اليهود وملوكهم، وديانات النصارى والروم وملوكهم بالشام ومصر والمغرب والجزيرة وأرمينية، إلى غير ذلك، وديانات الفرس وممالكها، وهي كانت أعظم ممالك الأرض وأوسعها ملكا وأشدها بأسا، وممالك الهند. فغلب ملوك العرب في جزيرتها، وغلب ملوك اليهود وممالك الفرس كلها، وممالك النصرانية والروم، فلم يبق ملك بحيث تناله الحوافر


(١) الفتح ٢٨
(٢) التوبة ٣٢