للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتصويبه سوى المشايخ والنساء والأطفال وإن كانوا مغلوبين بسلطان فرعون.

وطول مقام موسى مع فرعون بعد ادعاء النبوة سنة واحدة، ومحمد صلّى الله عليه وسلم أقام بمكة خمسة عشرة سنة، وجاءهم وحيدا منفردا بدينه، خالف الأمم كلها من أهل زمانه، ولم يعتصم. بمخلوق، ولا صوّب أحدا من الأمم ولا من الملوك الجبابرة.

فإن قيل: أو ليس كان عمه أبو طالب يمنع منه، قيل: ليس في هذا قدح فيما ذكرنا، لأنه ما قال أن/ أحدا لا يدفع عني ولا يسوؤه ما نزل بي، وإنما قال في حال وحدته، لا أقتل ولا تقتلونني مع كيدكم لي، وإن ربي أخبرني بذلك، وهو قال لي: «وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ» «١» وهو قال لي: قل لهم: «فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ» وهو قال لي: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فلو منع نصفهم من قتله لما قدح ذلك في خبره، ودفع أبي طالب عنه يؤكد أمر حجته، فإنه قد كان على غير دينه، وكان على دين أعدائه، ومع هذا كان يدفع عنه ويقول لقريش: هو الأمين الكريم الوفيّ الذي عرفتموه، وتشفع إليهم في الكف عنه، وقد كانوا مع هذا يضربونه حتى يغمى عليه، ويسحبونه، فيقول لبناته وهنّ يبكين: إن أباكنّ لا يقتل بل يؤذى، ويقول هذا للناس كلهم ويناله عمه أبو لهب والنضر بن الحارث بن كلدة، وأبي بن خلف، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم من قريش، مع حرص أبي طالب في الدفع عنه، فيقول صلى الله عليه وسلم:

لا تنالون مني أكثر من هذا، والعقبى تكون لي، ولن أقتل ولا أموت حتى أظهر. فيزدادون غيظا عليه، ويجددون عزمهم على قتله، ويقول أبو جهل لبني مخزوم: لأقتلنّ محمدا، فإن شئتم حينئذ فأسلموني إلى بني عبد مناف وإن


(١) الاسراء ٦٠