للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبذلون في ذلك أموالهم ودماءهم. وقد كانت حاله بالمدينة وإن كان قد صار في جماعة وأنصار قريبا من حاله بمكة فقد كان يجلس وحده ويمشي وحده، ويدعو به الرجل والمرأة لحاجة فيمشي مع من دعاه، وقد يكون في بيته وعند أهله وحده، وإنما بيوته ومسجده من جريد النخل وارتفاعها مقدار قامة.

وكانت سبيله في ذلك سبيل خلفائه وأصحابه في البذل والتظرح، وقد قصد العبد النصراني لقتل عمر فقتله «١» ، وقصد ابن ملجم لقتل علي بن أبي طالب فقتله، وقد تحصن عثمان وأخذ حذره وجمع نفسه ومع هذا فقد تسلق عدوّه عليه ودخل من خوخته ونال منه حاجته مع هذه الأنساب وهم الأمراء، فتعلم أن سلامة رسول الله صلّى الله عليه وسلم من هذه الأشياء، من الآيات العظيمة، سيما وقد قال لعدوّه: إن الله سيكفينّكم، وفي هذا تهييج لعدوه على نفسه، وبعث على مكروهه.

وقد كان أهل مكة يبعثون اليهود والنصارى ومن بالمدينة على قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويحرشون بين الأوس والخزرج، ويبعثونهم على من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى من اتبعه، وقد كان اليهود وأعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن بالمدينة يردون مكة ويلقون قريشا فيبعثونهم على مكاره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتله.

وقد كان لليهود بالمدينة وبالحجاز وبجزيرة العرب عدد جمّ. وقرى وحصون، ولهم بأس، ولهم نجدة وخيول وفرسان، وأبطال وفصحاء وشعراء، ولهم ثروة، وفيهم أجواد ويستجار بهم ويجيرون ويمنعون جيرانهم، ويقاومون الملوك ويدفعونهم عن أنفسهم؛ ونصارى العرب أكثر في هذا كله وأقوى وأشد، فاعرف هذا فبك إلى معرفته أمس الحاجة.


(١) يقصد أبا لؤلؤة الفارسي المجوسي.