للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، والدخول في طاعته، وامتثال أمره، والخضوع له، وأخبرهم بذات نفسه وبما يدعو إليه، وأخبرهم بأن الله عز وجل اصطفاه وحده واختاره وحده/ ووعده بالظهور والغلبة لملوك الأرض وجبابرتها، وأن السعيد من بادر إلى طاعته من قبل أن تسبى أمواله وتستباح حريمه ويسفك دمه، فما ترك شيئا مما يغضبهم ويغيظهم ويبعثهم على قتله واستئصاله وبواره وبوار أصحابه إلا أتى به وفعله، وهذا ما لم يكن مثله ولا يقدم عليه عاقل إلا وهو على غاية الثقة بالسلامة من العواقب، وأن العاقبة تكون له لا لعدوّه.

أما ترى كيف اغتصب كسرى كتابه حين أنفذه مع عبد الله بن حذافة السهمي وهو «١» : بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله. وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.

فمضى بكتابه، وكان في طريقه وبحضرته ما لعله يرد عليك، فلما بلغه كتابه غاظه ذلك وأغضبه، حتى كتب إلى صاحبه باذان وهو خليفته باليمن وملكها يأمره بإشخاصه إليه «٢» ، فأرسل باذام في ذلك، فسرّ ذلك أعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وقريش والعرب واستبشروا. وقال بعضهم لبعض: كفيتموه كفيتموه. فلما وصل الرسول اليه قال له رجل منهم انطلق معي إلى الملك باذان فنكتب معك كتابا إلى الملك شاهنشاه ينفعك عنده


(١) كتب في هامش الأصل: «كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى» .
(٢) أثبت القاضي باذام بالميم مع أنها في معظم كتب السيرة والتاريخ: باذان، انظر سيرة ابن هشام ١: ٦٩