للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدلّك على خضوع قريش واليهود والنصارى وجميع اعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانقطاعهم في يده، وانه لا مطعن في آياته. ولهذا المعنى قال الله:

«فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» «١» ، أي لو قاربتهم وأجبتهم الى ما دعوك لأجابوك، ولو داهنتهم لداهنوك. فتأمل قوله:

«قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» كيف يجبههم بالإكفار والتجهيل والتضليل، وهم أشد عالم الله أنفة ونخوة وجبرية، ودفاعا عن انفسهم، ومواثبة لعدوهم، وهو بمكة معهم وفي ايديهم وفي قبضتهم، والعزّة والغلبة والكثرة لهم لا له، فهيجهم على نفسه بهذا القول، وبعثهم على مكروهه، فنجاه الله منهم.

وهذا قول/ لا يقوله عاقل وحاله ما وصفنا إلا وهو على غاية الثقة بالله، بدفعه عنه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن لا يدفع عدوّه عقله، فمن أي شيء تعجب رحمك الله؟ أمن إقدامه، أم من مصير الأمر الى قوله وحكمه.

فاعرف هذه القصة واحفظها فانها عظيمة جليلة، ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» فكأنما قرأ ثلث القرآن» . وكان يقال في صدر الاسلام ل (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) المقشقشتان «٢» ، اي هما براء من الشرك، يقال للجرح اذا برأ واندمل: تشقشش الجرح.


(١) القلم ٩
(٢) قشقش: في اللسان يقال تقشقش الجرح: تعرض قرحه للبرء، والقشقشة: تهيؤ البرء، والمقشقشتان: قل هو الله احد وقل اعوذ برب الناس لأنهما كانا يبرأ بهما من النفاق، وقيل: هما قل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد. اللسان مادة قشش.