للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبيّنت الجن أنه قد مات مذحين طويل وهو حذاءها ولا تعلم، ولو علمت لانتفعت بهذا العلم، ولتخلصت من العذاب المهين، فإنما يراد العلم بالعواقب لينتفع به، وهؤلاء يدّعون على القوم أنهم كانوا يعلمون العواقب ويلقون أنفسهم في المهالك، وقد بيّن عز وجل أن يوسف صلّى الله عليه وسلم لما أعلمه بالعواقب في تلك السنين انتفع بذلك العلم واستعمله، فدفع به المضار، واجتلب به المنافع، وصار به إلى ملك الأرض، وإلى أن خضعت له الملوك وألقت تقاليدها اليه فقرت عينه، وعيّن كل وليّ له وسجنت عيون أعدائه وماتوا كمدا فقال لهم: ستتوالى عليكم سبع سنين خصبة، فلا تغتروا واخزنوا الطعام، فسيأتي بعدهن سبع شداد قحطة تأكلون فيها جميع ما خزنتم في السبع الخصبة وليكن ما تخزنونه في سنبله وتبنه لئلا يعفن أو يقع فيه السوس، ولا تخرجوا من السنبل إلا ما تتدبرونه، حين قال لما سأله رسول الملك عن رؤيا الملك.

والله عز وجل يقول: «الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» «١» بيّن عز وجل، أن العاقل إذا علم العواقب بدأ بنفسه فتحرز من المضار سلم من المكاره، ثم بعد ذلك/ ينتفع غيره إن شاء، ففي وقوعهم في المكاره من أدلّ الدليل على أنهم لا يعلمون العواقب، فلم قالوا لغيرهم: لو أطاعونا ما قتلوا، ما في هذا فضيحتهم. وهذا مثل قصة سليمان مع الجن.

فتأمل ما في هذا الكلام من الحكم البالغة، فإنه وإن كان كلاما في توبيخ الشيع فيما أضافوه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وإلى أهل البيت، ففيه بيان شاف في تكذيب المنجمين والرد عليهم، فقد قال لهم أبو الهذيل رحمه الله حين استدعاه المأمون


(١) آل عمران ١٦٨